عنوان الفتوى : المفهوم الصحيح للتدرج في التشريع
بماذا تردون على من تقول: إن المسارعة بلبس الحجاب الصحيح من لبس عباءة (وليس تونيك!) واسعة، لا تشف، طويلة للقدمين: بلا فتحة، وكم العباءة طويل: دون أن تشمره، وفوق العباءة: خمار طويل يغطي الصدر والأرداف، أو لبس إسدال أو ملحفة: تغطي كل جسمها من رأسها وحتى قدميها، مع لبس جورب داكن (غامق) لا يشف، وليس مثقبا، أو بلون الجلد (بيج بدرجاته) ولبس بنطلون واسع لا يشف تحت ملابسها: ليستر رجليها عند صعود السلم والمواصلات والجبل ونحوه، ووجوب كون ملابسها تلك غير مزخرفة أو مطرزة أو لامعة أو بألوان تلفت، وعدم وضع مكياج بأنواعه وكريم أساس وماسكرا، وطلاء أظافر، وأظافر ورموش صناعية، وعدسات ملونة: فيه غلو وتشديد على المسلمة! ويجب أن تطبق الحجاب الصحيح بالتدريج والاقتصاد: حتى لو استغرق هذا الأمر شهورا أو سنوات! بل حتى لو استغرق هذا عمرها كله! حيث تستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا كُلَّ مَا أَمَرْتُكُمْ بـِهِ! وَلَكِنْ: سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا)) صحيح الجامع(7871). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ (هَذَا) الدِّينَ أَحَدٌ: إِلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بـِالْغَدْوَةِ، وَالرَّوْحَةِ، وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) البخاري(39). يعني: أن الدين يغلب من يشدد على نفسه في الدين، ويلزم نفسه فوق طاقتها. وقوله صلى الله عليه وسلم :(عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ: يَغْلِبْهُ)) صحيح ابن خزيمة(1179)، وقال الألباني: إسناده صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ: فَأَوْغِلْ فِيهِ بـِرِفْقٍ؛ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ: لا أَرْضًا قَطَعَ! وَلا ظَهْرًا أَبْقَى!)) ضعيف الجامع(2022)، وقال الألباني: ضعيف. يضرب مثلا: لمن يجهد دابته بالضرب؛ ليصل إلى المكان الذي يريده بسرعة، ولا يعطيها فترة للراحة: فتهلك الدابة (التي يركب على ظهرها) في الطريق! دون أن يصل للأرض التي كان يصل إليها!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أسمته هذه المرأة التدرج في امتثال أمر الله عز وجل من الستر الواجب وغيره ليس هو التدرج الذي يتكلم عنه العلماء، وإنما هو في الحقيقة تهاون بالأوامر وتكاسل في امتثالها.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا يتعلق بالتدرج في الالتزام بالأحكام، جاء فيه: ما الفرق بين التدرج في تحريم الخمر والأمر بالجهاد، حيث إننا مطالبون بآخر نهي في الخمر، ومطالبون بالاستطاعة في الجهاد؟
فأجابت: بعد اكتمال الدين واستقرار أحكام الشريعة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أحكام الإسلام تؤخذ بجملتها، ولا يجوز التدرج في الانقياد لأحكامها، كما كان ذلك في أول الإسلام، فالخمر مثلا يجب على كل مسلم أن يعتقد تحريم شربها ابتداء، ومن اعتقد غير ذلك -وهو عالم بتحريمها- فهو مرتد؛ لجحده ما هو معلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، وبالأدلة الشرعية، وإجماع أهل العلم. وأما الأوامر الشرعية فإن التكليف بها في الإسلام منوط باستطاعة المكلف، فلا يجب على المكلف من الأعمال ما لا يقدر عليه، أو يسبب له مشقة وحرجا، وكل مسألة بحسبها، فالجهاد مثلا وجوبه على الشخص، وكذلك وجوبه في الأحوال العامة، كل ذلك على درجات حسب البواعث والأحوال، ولا يقال إن هذا من باب التدرج في التشريع، وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. اهـ.
وهذا المعنى الأخير هو الذي دلت عليه النصوص المذكورة في نهاية السؤال، فلا علاقة لها بأمر التدرج، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: وقاربوا، أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال، فتتركوا العمل فتفرطوا. اهـ.
والله أعلم.