عنوان الفتوى : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة والاستغفار بالأسحار
عندي تشوش في الأذكار والتسبيح وغيرهما، فيوم الجمعة أفضل شيء فيه هو الصلاة على الرسول صلى الله عليم وسلم، وفي القرآن يقول الله سبحوا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وفي آية أخرى ذكر المستغفرين بالأسحار، فأيهما أفضل في السحر قبل الفجر التسبيح أم الاستغفار؟ وفي يوم الجمعة هل أترك التسبيح قبل الغروب وأصلي على الرسول الكريم؟ وكثير هي الأذكار التي شوشت علي ولم أدر متى أذكرها، فمثلا: لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففيما يتعلق بيوم الجمعة فإن الاشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه فيه أولى من سائر الأذكار، بل ذكر بعض أهل العلم أن صرف الوقت يوم الجمعة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من تلاوة القرآن جاء في حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب عند كلامه على الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ويقدمها على قراءة القرآن غير الكهف ويقدم عليها تكبير العيد لو وافق ليلة جمعة، لأن الأقل أولى بالمراعاة ... إلى أن يقول: تنبيه: علم مما ذكر أن كل محل طلب فيه ذكر بخصوصه فالاشتغال به فيه أولى من غيره ولو من قرآن أو مأثور آخر.
مع أنه يمكن الإتيان بالتسبيح في الوقت المذكور أيضا، لأنه من أحب الكلام إلى الله تعالى، وانظري الفتوى رقم:182167.
وللتصحيح فإن نص الآية المشارإليها هو: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى {طه:130}.
وليس وسبحوا، والمراد بالتسبيح هنا في قول أكثرالمفسرين الصلوات الخمس، ففي تفسير الجلالين: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ـ مَنْسُوخ بِآيَةِ الْقِتَال، وَسَبِّحْ: صَلِّ بِحَمْدِ رَبّك ـ حَال أَيْ مُلْتَبِسًا بِهِ قَبْل طُلُوع الشَّمْس: صَلَاة الصُّبْح وَقَبْل غُرُوبهَا: صَلَاة الْعَصْر، وَمِنْ آنَاء اللَّيْل سَاعَاته، فَسَبِّحْ صَلِّ الْمَغْرِب وَالْعِشَاء، وَأَطْرَاف النَّهَار عَطْف عَلَى مَحَلّ مِنْ آنَاء الْمَنْصُوب أَيْ صَلِّ الظُّهْر، لِأَنَّ وَقْتهَا يَدْخُل بِزَوَالِ الشَّمْس فَهُوَ طَرَف النِّصْف الْأَوَّل وَطَرَف النِّصْف الثَّانِي، لَعَلَّك تَرْضَى بِمَا تُعْطَى مِنْ الثَّوَاب. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أَيْ: مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِهِ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: وَالْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَمَا يفيد قَوْلُهُ: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَبْلَ غُرُوبِها فَإِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ الْعَتَمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْآنَاءِ: السَّاعَاتُ، وَهِيَ جَمْعُ إِنًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ، وَهُوَ السَّاعَةُ، وَمَعْنَى فَسَبِّحْ أَيْ: فَصَلِّ وَأَطْرافَ النَّهارِ أَيِ: الْمَغْرِبَ وَالظُّهْرَ، لِأَنَّ الظُّهْرَ فِي آخِرِ طَرَفِ النَّهَارِ الْأَوَّلِ، وَأَوَّلِ طَرَفِ النَّهَارِ الْآخَرِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ هِيَ بِقَوْلِهِ: وَقَبْلَ غُرُوبِها، لِأَنَّهَا هِيَ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ، وَلَوْ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الصَّلَاةِ، بَلِ الْمُرَادُ التَّسْبِيحُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ أَيْ: قَوْلُ الْقَائِلِ سُبْحَانَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعِيدًا مِنَ الصواب. انتهى.
أما الاستغفار: فهو مستحب في كل وقت مثل سائرالأذكار وفي وقت السحر خاصة، والمقصود به الوقت قبيل الصبح، وقيل هو من ثلث الليل إلى طلوع الفجر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 43455.
ففي صفوة التفاسير عند تفسير قوله تعالى: وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ـ أي وفي أواخر الليل يستغفرون الله من تقصيرهم، فهم مع إحسانهم يعدُّون أنفسهم مذنبين، ولذلك يكثرون الاستغفار بالأسحار، قال أبو السعود: أي هم مع قلة نومهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار بالأسحار، كأنهم أسلفوا ليلهم باقتراف الجرائم، وهو مدح ثانٍ للمحسنين. انتهى.
وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح: ويستحب الإكثار من الاستغفار بالاسحار، فإن الله تعالى مدح المستغفرين فيها فقال: وبالأسحار هم يستغفرون. انتهى.
وبهذا يعلم أن الاشتغال بالاستغفار في وقت السحرأولى من الاشتغال بغيره من الأذكار ويمكن الجمع بينه وبين التسبيح والدعاء وقراءة القرآن، فإن التسبيح من أحب الكلام إلى الله تعالى، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 106779
وقال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في مدارج السالكين: والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار. انتهى.
وانظري الفتوى رقم: 69790.
إن هذه الأذكار وهي لا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل إلى آخرها كلها ذكر لله تعالى لا حرج في الإتيان بها في أي وقت مع أن لها مناسبات منها قول لا حول ولا قوة إلا بالله وحسبي الله ونعم الوكيل مع بعض الأذكار الأخرى عند الخروج من المنزل، فقد أخرج الطبراني: عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ مِنْ بَيْتِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، مَا شَاءَ اللهُ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، حَسْبِي اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ضعفه الألباني.
وفي سنن ابن ماجه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ، أَوْ مِنْ بَابِ دَارِهِ، كَانَ مَعَهُ مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِهِ، فَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، قَالَا: هُدِيتَ، وَإِذَا قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَا: وُقِيتَ، وَإِذَا قَالَ: تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، قَالَا: كُفِيتَ، قَالَ: فَيَلْقَاهُ قَرِينَاهُ فَيَقُولَانِ: مَاذَا تُرِيدَانِ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ. وضعفه الألباني أيضا.
ومن ذلك قول: حسبي الله ونعم الوكيل عند ما يغلبه أمر أو يخاف شيئا، ففي عمل اليوم والليلة للنسائي في باب مَا يَقُول إذا خَافَ قوما: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ آخر كَلَام إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين أُلقي فِي النَّار حسبي الله وَنعم الْوَكِيل، قَالَ: وَقَالَ نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلهَا: الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل.
وأخرج النسائي أيضا: عَن عَوْف بن مَالك أَنه حَدثهمْ أن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بَين رجلَيْنِ فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ حسبي الله وَنعم الْوَكِيل، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ردوا عَليّ الرجل، فَقَالَ مَا قلت؟ قَالَ قلت حسبي الله وَنعم الْوَكِيل، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يلوم على الْعَجز وَلَكِن عَلَيْك بالكيس وَإِذا غلبك أَمر فَقل حسبي الله وَنعم الْوَكِيل. قال الألباني ضعيف.
وتقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ عند المصيبة، ففي صحيح البخاري: وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نِعْمَ العِدْلاَنِ وَنِعْمَ العِلاَوَةُ: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ { البقرة: 157} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ { البقرة: 45}.
وفي الدعاء للطبراني: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُعْطَيَتْ أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
والله أعلم.