عنوان الفتوى : أحوال ضمان البائع وما يترتب عليه
ما معني أن البائع ضامن؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالضَّمَان: إِلْزَام حق على آخر. كما قال السيوطي.
وضمان البائع معناه كونه يتحمل مسؤولية النقص الواقع في المبيع بسبب عيب أو تلف مثلما لو حصل شيء من ذلك في المبيع قبل تسليمه للمشتري فيكون ضمانه على البائع، فلو أن خالدًا مثلا باع سيارة لمحمد، وقبل أن يسلمه السيارة احترقت فهنا يضمنها خالد؟ وكذلك لو وجد بها عيبًا مؤثرًا غير حادث عند المشتري، فيكون ضمانه على البائع، جاء في الحجة لمحمد بن الحسن الشيباني: إذا قبض المشتري ما اشترى وخلى البائع بينه وبينه فصار في ضمانه فما هلك منه من قليل أو كثير فهو من مال المشتري، وإذا لم يقبض المشتري ما اشترى فما ذهب منه من قليل أو كثير فهو من مال البائع، لأنه هلك في ضمان البائع قبل أن يسلمه إلى المشتري)، وقال السرخسي في المبسوط: والحادث من العيب قبل القبض كالموجود عند العقد؛ لأن المبيع في ضمان البائع)، وقال الماوردي في الحاوي (إِذَا تَلِفَتِ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ فِي يَدِ بَائِعِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَاسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي اسْتِرْجَاعَ الثَّمَنَ)، وقال ابن قدامة في المغني: مسألة ما عدا المكيل والموزون والمعدود يدخل في ضمان المشتري قبل قبضه... وقال أبو حنيفة: كل مبيع تلف قبل قبضه من ضمان البائع، إلا العقار. وقال الشافعي: كل مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري. وحكى أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى كقوله؛ لأن ابن عباس قال: أرى كل شيء بمنزلة الطعام. ولأن التسليم واجب على البائع؛ لأنه في يده، فإذا تعذر بتلفه، انفسخ العقد، كالمكيل، والموزون، والمعدود). انتهى.
ونحو ذلك مما يذكره الفقهاء من صور ضمان البائع وتحمله للمسؤولية فيما يصيب المبيع من تلف أو ما يكون به من عيب، وفي بعض الصور يبطل العقد ويرجع المشتري بالثمن على البائع، وفي بعضها يثبت له الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن أو المطالبة بمثل المثلي وقيمة المتلف، جاء في الشرح الكبير على متن المقنع: وما يحتاج إلى القبض إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع، فإن تلف بآفة سماوية بطل العقد ورجع المشتري بالثمن، وإن بان بفعل المشتري استقر عليه الثمن وكان كالقبض، لأنه تصرف فيه، وإن أتلفه أجنبي لم يبطل العقد على قياس قوله في الجائحة ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن، لأن التلف حصل في يد البائع، فهو كحدوث العيب في يده وبين البقاء على العقد ومطالبة المتلف بالمثل إن كان مثلياً، وبالقيمة إن لم يكن مثلياً، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفاً، وإن أتلفه البائع فقال أصحابنا الحكم فيه كما لو أتلفه أجنبي...).
والله أعلم.