عنوان الفتوى : كيف يفعل التائب المعسر الذي لا يستطيع رد ما أخذه بغير حق
إخواني لقد وصلتني الإجابة غير كافية فأتمنى توضيح الإجابة على سؤالي بشكل خاص وجزاكم الله خيرا، وهذا رقم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أخذ مالا بغير حق فيلزمه رده وعليه ضمانه حتى يؤديه، فقد روى أحمد والحاكم وصححه من حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عيله وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه.
قال الصنعاني في سبل السلام: والحديث دليل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه. انتهى.
ومجرد التوبة لا يسقط حقوق العباد، بل لا بد من الإتيان بشروطها، ومن تمام شروطها أداء الحقوق لمن أخذت منهم بغير حق لكن ما دمت معسرا لا تستطيع رد تلك الحقوق وقد تبت وندمت فعليك توثيقها ولو استطعت إعلام أصحابها بما كان منك فذلك متعين عليك، فقد يبرئونك منها ويسامحونك فيها، لكن لو خشيت ضررا بسبب ذلك فيكفيك توثيق تلك الديون بما يحفظ حق أصحابها مع العزم على أدائها متى تيسر لك ذلك، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في فتاوى إسلاميَّة: 4 / 162: … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً، فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب ـ مثلاً ـ إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم مثلاً من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله عز وجل فأرجو أن توصلها إليه، وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً { الطلاق: 2} وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق: 4}.
وإذا صدقت في توبتك وعزمت على أداء الحقوق فيرجى أن يشملك ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ... رواه الإمام أحمد في المسند وغيره.
قال الحافظ في الفتح: ولابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدَّانُ دَيْنَاً، يَعْلَمُ اللهُ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيْدُ أَدَاءهُ إِلاَّ أَدَّاهُ اللهُ عَنْهُ فِي الْدُّنْيَا ـ وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يعسر ـ مثلاً ـ أو يفجأه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف عنه في الدنيا، ويمكن حمل حديث ميمونة على الغالب، والظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين، كما دل عليه حديث الباب. انتهى .
ولو قيل إن هذا في شأن الدين لا السرقة والغصب والاحتيال فيقال إن التائب من سبب الاعتداء يبقى المال في ذمته دينا كالدين في ذمة من استدانه وسبب الإثم تيب منه فلم يبق سوى حق صاحب الحق، ولذا فإنه لا يبعد أن يشمل ذلك الأثر من تاب من السرقة والغصب وعزم على الأداء ومات قبل التمكن منه، وننصحك بالإكثار من الأدعية المأثورة في قضاء الدين، وقد بينا طرفا منها في الفتويين رقم: 47551، ورقم: 67949.
والله أعلم.