عنوان الفتوى : أحكام في سؤال الولد لوالده من ماله

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

س: أسأل عن حكم طلب الولد ـ طالب في الجامعة ـ من والده مصروفا مع العلم أن الولد يحتفظ بمبلغ بسيط في حسابه دون علم والده؟ وما الحكم إذا طلب الطالب من زميله أن يصور دفتره مثلا أو يكون في مدينة جديدة ويسأل عن مكان محدد, أو يكون هناك معالج لا يأخذ مالا فيذهب ويستشيره في العلاج؟ وهل ما ذكرت آنفا يعد من المسأله المذمومة التي وردت فيها أحاديث؟.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن النفقة التي أوجبها الله على الوالد لأولاده الفقراء تقدر بقدر الحاجة والكفاية بالمعروف، قال في المغني: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، إلى أن قال: والواجب قدر الكفاية، لأنها وجبت للحاجة، فتقدر بما تندفع به الحاجة. ا.هـ

وإذا طالب الابن والده بقدر الكفاية بالمعروف، فلا حرج في ذلك، ولا حرج أن يدخر منه ما يشاء، وأما سؤاله له في حال وجود مال عنده، فإن كان الموجود كافيا فلا يحق له أن يسأل، لما في الحديث: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم. رواه مسلم.

وفيه أيضا: من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر.

قال النووي: وهذا فيمن يسأل لغير الضرورة سؤالا منهيا عنه، وقوله: تكثرا أي استكثارا منها من غير ضرورة ولا حاجة. اهـ.

وأما إن كان الموجود مبلغا بسيطا لا يكفي فلا حرج في سؤال الوالد، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح، قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب. رواه الترمذي وصححه الألباني.

وعن رجل من بني أسد قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئا نأكله وجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل وهو مغضب ويقول لعمري إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا، قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية، قال: والأوقية أربعون درهما، فرجعت ولم أسأله فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب فقسم لنا منه حتى أغنانا الله. رواه مالك وصححه ابن عبد البر.

وأما طلب الطالب من زميله أن يصور دفتره مثلا أو يكون في مدينة جديدة ويسأل عن مكان محدد فهذا لا حرج فيه شرعا وليس من السؤال المذموم.

وأما سؤال الطبيب أو المعالج وإن كان لا يأخذ على ذلك أجرا فلا يعد من السؤال المذموم، بل هو من الأخذ بأسباب العلاج المشروعة، فعن أسامة بن شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد: الهرم. رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

قال ابن القيم في الزاد: وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوى، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر، والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا، وفيها رد على من أنكر التداوي. اهـ.

والله أعلم.