عنوان الفتوى : الحكمة والتدرج في تغيير المنكر
أنا أعيش في روسيا، ومنصبي إمام المسجد في إحدى القرى. وإنني أدعو الناس إلى القرآن والسنة في هذه المنطقة، وأعلم الناس العلوم الشرعية، ولكن هناك بعض التقاليد والعادات لا علاقة لها بالإسلام، مثل المجالس التي تقام تكريما لميت، في 3، 7، 40 يوم وفاته، وكذلك الذكريات السنوية؛ يقرأون فيها القرآن مع إطعام طعام، و يتصدقون عن الميت، و يهدون ثواب قراءة القرآن للميت. و غير ذلك من البدع، هذه الأنشطة ترتبط ارتباطاً مباشرا بإمام المسجد، وليس له الحق في ترك هذه المجالس. وفي حالة رفضه الذهاب إلى مثل هذه الاجتماعات، قد يتهم بالإرهاب ويزال من هذا المنصب بضغط عليه من السلطات المحلية. أقسم بالله، لا أريد بالنسبة لي وهؤلاء الناس إلا الخير، ولكن كم دعوتهم أن يتركوا هذه البدع لا يستمعون إلي، وحتى الآن يتوجب علي الذهاب لحضور هذه الاجتماعات للاستئناف. من فضلكم أرجو نصيحتكم لي ماذا يكون أفضل بالنسبة لي أن أترك الدعوة في هذه المنطقة، وأجتنب هذه البدع حفظا لديني وإيماني، أو أستمر في دعوتهم إلى الحق بهذه الطريقة مع الأمل في المستقبل أن الله سيغير حالة هؤلاء الناس إلى السنة ؟! كما يجب أن أعتبر أنني وحيد في هذه المنطقة من الذين يدعون إلى القرآن و السنة، و لو تركت هؤلاء الناس يمكن أن يأتي إمام آخر ذو عقيدة فاسدة. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من المقرر شرعا أنه لا يجوز للمسلم حضور أماكن المنكرات إلا لغرض صحيح كالإنكار على أهلها ونحو ذلك كما سبق لنا بيانه بالفتوى رقم: 117162. وراجع أيضا الفتويين: 169097 -59717 وهي عن حكم إقامة الولائم بسبب المآتم. وقراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت مما ينتفع به الميت ولكن الاجتماع لأجل ذلك بدعة من البدع، وانظر الفتوى رقم: 32355.
ولكن إن كان الأمر كما ذكر من أنه لا يوجد من يمكنه أن يعلم الناس الدين الصحيح، وربما شغل مكانك مبتدع يزيد هؤلاء الناس ضلالا، ولا انفكاك لك عن حضور مثل هذه الاجتماعات مع بغضك لها بقلبك، فلا حرج إن شاء الله في حضورك لها مع العمل على بيان الحق للناس في مثل هذه العادات بالحكمة والتدرج حتى تزول يوما ما بإذن الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإذا استطاع المسلم أن يقلل من الشر أو يسد مكانا يمكن أن يشغله فاسق أو مبتدع .. فلا شك أن ذلك أفضل. اهـ.
وننصحك بالتركيز على الشباب ودعوتهم إلى الخير حتى تجتمع معك جماعة منهم تعينك على الحق ويستفيض بهم البلاغ، واعلم أن الرفق مفتاح كل خير، وأن عاقبة الصبر الظفر .
والله أعلم.