عنوان الفتوى : نصائح للموازنة بين طلب العلم والدعوة
كيف أفعل اتجاه أمري الغريب، فعندما أقرأ عن تعظيم الله وأعمال القلوب ينتابني خوف شديد من أن أصير داعية، وأتخيل نفسي داعية وأبكي أمام أبي وأمي، وأقول في نفسي هذا العظيم يجب أن لا أتكلم طوال الوقت إلا عن الله ـ لا مزاح ولا ضحك ولا ابتسامة ـ وكل امرأة متبرجة أدعوها إلى الله، وفي الأسواق أقوم خطيبا لا أفكر إلا في هذا، وصلاتي لا خشوع فيها، وتركت طلب العلم الشرعي والفقه ولا أرى التغيير إلا في هذه الأمور، فماذا أفعل لأتخلص من هذا؟ وإذا بدأت بطلب الفقه مثلا لا أشعر بشيء، ولا أشعر بالقوة إلا إذا صرفت همتي في الدعوة، ولكن ليس من الحكمة أن أقوم خطيبا في السوق والناس منشغلون، وأوقف كل فتاة متبرجة وأنصحها بالحجاب، وإن لم أفعل أشعر بضعف شديد، وكذلك مع أبي وأمي إذا ما تكلمت معهما في أمور الدنيا أشعر بالضعف حتى صرت أشعر أن عالم معرفة الله عالم آخر غير الواقع الذي أعيشه، فما العمل؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فههنا أمور لابد من أن تتفطن لها لكي يزول عنك هذا الشعور.
أولا: لا تعارض بين الفقه وبين الدعوة، بل الدعوة لكي تكون نافعة ناجعة مؤثرة فلابد من أن تنبني على أسباب من العلم الشرعي المتين، وكلما كان الشخص أرسخ قدما في العلم كلما كان أنجح في ميدان الدعوة إلى الله، كما قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي {يوسف:108}.
فعليك أن تجتهد في تعلم العلم الشرعي وأن تعلم أنه لا نجاح لك كداعية إلى الله إلا به.
ثانيا: الدعوة إلى الله من أهم المهمات وأعظم فضائل الأعمال، وحسب الداعي إلى الله قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}.
فيحمد لك حرصك على الدعوة وحبك لها، لكن المراد هو أن تحقق الدعوة أثرها وتثمر ثمرتها، ولكي تثمر الدعوة هذه الثمرة فلابد من مراعاة آدابها والتزام طرائقها التي دل عليها الشرع المطهر من اتباع الحكمة والموعظة الحسنة وقول التي هي أحسن وأن يكون الداعي بصيرا بمواضع الداء والدواء، فيتكلم حيث يغلب على ظنه حصول المصلحة بكلامه ويتبع أمثل أسلوب وأحسن طريق للبيان والنصح، وإلا لما كان لدعوته فائدة.
ثالثا: لا يعني الاشتغال بالدعوة ترك الضحك والتبسم ونحو ذلك، فسيد الدعاة إلى الله وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتبسم، والداعي له في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فعليه أن يعيش حياته بصورة عادية طبيعية، وأن يعلم أن التبسم في وجوه الناس وملاطفتهم ونحو ذلك مما يؤثر كثيرا في إنجاح دعوته، وهو من الخلق الحسن المأمور به كل مسلم.
رابعا: عليك أن تتعلم آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومتى يشرع ومتى لا يشرع، وثم فتاوى كثيرة في موقعنا متعلقة بهذا الأمر، كما ينبغي لك أن تقرأ فيما يتعلق بأصول الدعوة وكيفيتها ككتاب أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان، وذلك لتأتي دعوتك أكلها وتحقق ثمرتها.
خامسا: عليك أن تستعين بالله تعالى وتجتهد في دعائه في أن يصلح ما بنفسك من الخلل والقصور وأن يعينك على تحقيق الموازنة بين الوظائف الشرعية المختلفة ويوفقك للقيام بالدعوة إليه على وجهها الذي يرضاه سبحانه.
والله أعلم.