عنوان الفتوى : الواجب التوبة مع بذل الجهد في إزالة آثار المعاصي
ولله الحمد لدي خبرة جيدة في استخدام الحاسب الآلي وكذلك التلفزيونات ومستقبل القنوات الفضائية المسمى بالرسيفر، أو الستالايت، أو الدش ومعروف بذلك بين أقاربي والأصدقاء فكانوا دائما يلجئون إلي عندما يريدون إصلاح عطل، أو إنزال قنوات فضائية، بل وكنت أعلمهم تنزيلها وكنت دائما أساعدهم في ذلك وبعد سنوات زادت معرفتي الفقهية فعرفت أنه من ساعد في حرام يقع عليه بعض الوزر وأنا كنت أنزل لأقاربي قنوات تعرض الأفلام والمسلسلات وقنوات إخبارية ولكن للأسف تحتوي على مذيعات لا يغطين شعورهن وأجزاء من أجسادهن كالذراع وجزء من الصدر، أو كنت أنزل لهم برامج كمبيوتر غير أصلية أي دون إذن الشركة المصنعة وأنا أؤكد لكم أنني عندما كنت أساعدهم في ذلك كانت معرفتي الفقهية ضعيفة ولم أكن أدري أنني أفعل بذلك محرما وأتوب إلى الله من تلك الذنوب، ولكن أعلم أن بعض الذنوب لكي تصح التوبة منها لا بد من التخلص من آثارها القديمة مثل السرقة بإرجاع الأشياء المسروقة لصاحبها، والغيبة بالاعتذار لصاحبها، أو ذكره في نفس المجلس بكلام خير، وسؤالي: هل علي حذف هذه البرامج والقنوات التي أنزلتها من قبل مع العلم أنهم ما زالوا يستخدمونها؟ ولكن هنا سأقع في عدة طرق:1- أشياء متأكد من أني أنا الذي قمت بتنزيلها.2- أشياء سأشك ما بين أني قمت بتنزيلها، أو شخص آخر أنزلها.3- أشياء لن أتذكرها يمكنني مسح كل ما على أجهزة استقبال القنوات وأجهزة الكمبيوتر من قنوات وبرامج ولكن سيعارضني في ذلك أصحابها ويمكن أن أحاول إقناعهم، لا أعلم ماذا أستطيع أن أفعل مع الذين قمت بتعليمهم، فهل يكفي نصحهم لأبرأ من جرم تعليمهم؟ مع العلم أنني عندما علمتهم كنت أعرف أنهم سيستخدمونها في تنزيل قنوات وأفلام ومسلسلات وما شابهه، والآن زاد حرصي عندما أنزل أي قنوات لأي شخص فلا أنزل له إلا القنوات الدينية، فهل إذا أنزلت قناة دينية وأن أعرف أنها أحيانا تعرض أناشيد ذات مضمون ديني ولكن تحتوي على معازف وبرامجها تحتوي مقدماتها وخاتمتها على معازف، يكون علي في ذلك إثم؟ أرجو تدعيم إجابات هذه الأسئلة بالأدلة الشرعية حتى يمكنني إقناع أقاربي، لأنني أجد انتقادا حادا عندما أرفض تنزيل قناة، أو برنامج مسروق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق أن بينا أن المسلم لا يجوز له أن يعين على معصية وإذا علم أن من يعلمه سيستخدم ما يعلمه في الشر، أو فيما هو مخالف للشرع، فإنه يكون مشاركاً له في الإثم وعليه مثل وزره، لأنه حينئذ في حكم إعطاء العنب لمن يعصره خمراً، أو السلاح لمن يتخذه للحرابة، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلاله كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً. وانظر الفتوى رقم: 53279.
ومع ذلك، فإن من اعترف بذنبه وأقبل على الله بصدق وتاب إليه خوفاً منه وتعظيماً له ورجاء عفوه وثوابه، فإن ا لله يفرح بتوبته ويغفر ذنبه، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ {التحريم:8}.
ومن تمام توبتك أن تبذل جهدك في إزالة وحذف ما استطعت إزالته من الأجهزة والبرامج الفاسدة، ونصح من علمتهم، أو ساعدتهم في تركيب الأجهزة، أو تنزيل البرامج، فإذا بذلت جهدك في إصلاح ما كنت سبباً في إفساده وصدقت في توبتك وندمت على ما كان منك، فقد أديت ما عليك ولن يضرك بعد ذلك ـ إن شاء الله ـ ما لم تستطعه ولو لم يستجب لك من نصحتهم، أو بقيت آثار ما عملت، قال صاحب المراقي:
من تاب بعد أن تعاطى السببا * فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن رجع * عن بث بدعة عليها يتبع.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 25575، 103178، 124586، وما أحيل عليه فيها.
وأما حرصك على تنزيل القنوات الدينية: فإنه عمل تشكر عليه وتؤجر ـ إن شاء الله تعالى ـ لما فيها من الخير وتعليم الناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم فهو من التعاون على البر والتقوى، وانظر الفتوى رقم: 53279. وإذا كان من هذه القنوات ما يبث المعازف فلا يجوز لك أن تساعد في تنزيله، وسبق أن بينا حكم المعازف وأنواع الغناء في الفتوى رقم: 987.
والله أعلم.