عنوان الفتوى : الوساوس في العقيدة لا تضر ما دام كارها لها
أرجو المساعدة يا شيخ من فضلك: هل الوسوسة المستمرة في سب الإله يكفر بها المسلم؟ والله كلما أرى الوسواس يأتي في عقلي على هيئة سب الله أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, وأنا أحافظ على صلاتي وأبكي كثيرا أثناء الصلاة وأثناء الدعاء, فهل بذلك أخرج عن الإسلام؟ وإذا مت على هذا الوسواس وأنا محافظ على صلاتي ومؤمن بالله ولا أدعو غير الله، فهل ذلك الوسواس في سب الله يخرج عن الإسلام؟. وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه الوساوس المنافية للتوحيد لا تضر المؤمن شيئا ما دام كارها لها نافرا منها, ولو مات على ذلك موحدا مسلما, بل كراهته لتلك الوساوس علامة صدق إيمانه وصحة يقينه, فعليك ـ أيها الأخ الكريم ـ أن تتعوذ بالله من هذه الوساوس وأن تجاهد نفسك في الكف والانتهاء عنها, وأنت مأجور على هذه المجاهدة ولا تخرج عن الإسلام بمجرد هذه الوساوس، بل كراهتك لها دليل صدق إيمانك ـ كما ذكرنا ـ يقول شيخ الإسلام رحمه الله: والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قالت الصحابة: يا رسول الله: إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان ـ وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به ـ قال: الحمدلله الذي رد كيده إلى الوسوسة ـ أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد والصريح الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان فصار صريحا، ولابد لعامة الخلق من هذه الوساوس. انتهى.
وقال أبو زكريا النووي ـ رحمه الله ـ في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ذاك صريح الإيمان ـ معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك، وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيمان أو الوسوسة علامة محض الإيمان، وهذا القول اختيار القاضي عياض, وأما قوله: فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله ـ وفي الرواية الأخرى: فليستعذ بالله ولينته ـ فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والإلتجاء إلى الله تعالى في إذهابه. انتهى.
والله أعلم.