عنوان الفتوى : هل تبطل الصلاة إذا لحن الإمام لحنا جليا في غير الفاتحة
لحن إمام في الصلاة لحنا فاحشا مفسدا للمعنى ، فقرأ بدل: (وما خلقنا ): (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ) ففتح عليه أحد المأمومين ،فصحّح الآية. ولكن بعض العلماء أمر المصلين بإعادة الصلاة وقال: إن في حاشية ابن عابدين نصا على فساد الصلاة في مذهب أبي حنيفة. فما قولكم في صحة الصلاة؟ وما هو النص في الحاشية على بطلان الصلاة باللحن الفاحش المغير للمعنى؟ وهل هذا الحكم معتمد عند الحنفية وبقية المذاهب؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما ما عزاه هذا الشيخ إلى الحنفية وذكر أنه في حاشية إمام متأخريهم ابن عابدين فكلام صحيح، فمذهب الحنفية أن مثل هذا اللحن مبطل للصلاة، فإن الكلام عندهم مبطل للصلاة عمدا كان أو سهوا أو خطأ.
قال في الدر المختار وهو الذي عليه حاشية ابن عابدين: يفسدها-أي الصلاة- التكلم عمده وسهوه قبل قعوده قدر التشهد سيان ) وسواء كان ناسيا أو نائما أو جاهلا أو مخطئا أو مكرها هو المختار. انتهى باختصار.
قال المحشي ما عبارته: قوله أو مخطئا ) بأن أراد قراءة أو ذكرا فجرى على لسانه كلام الناس ويأتي بيانه في مسألة زلة القارئ. انتهى.
ثم قال في مبحث زلة القارئ مبينا ضابط ما تفسد به الصلاة وما لا تفسد من الخطأ في القراءة: ( قوله ومنها زلة القارئ ) قال في شرح المنية : اعلم أن هذا الفصل من المهمات ، وهو مبني على قواعد ناشئة عن الاختلاف لا كما يتوهم أنه ليس له قاعدة يبنى عليها ، بل إذا علمت تلك القواعد علم كل فرع أنه على أي قاعدة هو مبني ومخرج ، وأمكن تخريج ما لم يذكر فنقول : إن الخطأ إما في الإعراب أي الحركات والسكون ويدخل فيه تخفيف المشدد وقصر الممدود وعكسهما، أو في الحروف بوضع حرف مكان آخر ، أو زيادته أو نقصه أو تقديمه أو تأخيره أو في الكلمات أو في الجمل كذلك أو في الوقف ومقابله .
والقاعدة عند المتقدمين أن ما غير المعنى تغييرا يكون اعتقاده كفرا يفسد في جميع ذلك ، سواء كان في القرآن أو لا إلا ما كان من تبديل الجمل مفصولا بوقف تام وإن لم يكن التغيير كذلك ، فإن لم يكن مثله في القرآن والمعنى بعيد متغير تغيرا فاحشا يفسد أيضا كهذا الغبار مكان هذا الغراب .
وكذا إذا لم يكن مثله في القرآن ولا معنى له كالسرائل باللام مكان السرائر، وإن كان مثله في القرآن والمعنى بعيد ولم يكن متغيرا فاحشا تفسد أيضا عند أبي حنيفة ومحمد، وهو الأحوط. انتهى محل الغرض منه وله تتمة.
فإذا علمت صحة ما ذكره هذا الشيخ ونسبه إلى الحنفية فاعلم أن الراجح عندنا خلافه وأن الصلاة لا تبطل بمثل هذا
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله وهو من أئمة الحنابلة: تكره إمامة اللحان الذي لا يحيل المعنى نص عليه أحمد وتصح صلاته بمن لا يلحن لأنه أتى بفرض القراءة فإن أحال المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة الصلاة ولا الائتمام به إلا أن يتعمده فتبطل صلاتهما. انتهى.
وقال ابن حجر الهيثمي في التحفة: فعلم أن صلاته لا تبطل بالتغيير في غير الفاتحة أو بدلها إلا إذا قدر وعلم وتعمد لأنه حينئذ كلام أجنبي وشرط إبطاله ذلك. انتهى.
والراجح عند المالكية هو هذا أيضا.
قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل: وهل تبطل صلاة المقتدي بلاحن مطلقا أي : في الفاتحة أو غيرها سواء غير المعنى ككسر كاف إياك وضم تاء أنعمت أم لا؟ وجد غيره أم لا إن لم تستو حالتهما أو إن كان لحنه في الفاتحة دون غيرها ؟ قولان وترك المؤلف القول بالصحة مطلقا مع أنه أرجح من القولين اللذين ذكرهما. انتهى.
وبه يتبين لك أن مذهب الجمهور عدم بطلان الصلاة ولا لزوم الإعادة في الصورة المذكورة وهو الراجح.
والله أعلم.