عنوان الفتوى : مذاهب العلماء فيما يثبت به نشوز الزوجة وطرق علاجه
أنا شاب ملتزم صبور وهادئ، تزوجت من تسع سنوات فتاة منتقبة عفيفة قنوعة. وقد عانيت كثيرا من نشوز زوجتي وتركها الطاعة وتقديمها رأيها وإصرارها دائما عليه مما سبب المشاكل الدائمة بيننا، فوعظتها كثيرا وهجرتها كثيرا، واستعنت بأبيها قبل وفاته وبأعمامها بعد وفاته، وبإخوانها وأهلها كثيرا الذين كانوا يعجزون كلهم مجتمعين ومنفردين عن الحكم عليها أو تغييرها أو تطويعها لزوجها، فيرضخون لها ويكتفون بالوصاية بالصبر عليها والحياة من أجل الأولاد، وفي كل مشكلة كنت أحاول ألا أصل إلى ضربها لكراهيتي الشديدة له، ولأني أربأ على أولادي أن يرونا بهذه الصورة التي تضطرنا هي إليها، لكن منذ أيام قلائل حدثت مشكلة أخرى كالعادة نتيجة عدم طاعتها وعدم تنازلها عن رأيها، وعدم انقيادها للحق فصبرت هذه الليلة صبرا طويلا وهي تطلب الطلاق وتؤذيني بالكلام فاتصلت بأهلها وبإخوانها وبأمها لكي يحولوا بيني وبينها ألا أفقد صبري وأقع في ضربها، ولأنها لا تترك الاستفزاز والكلام المؤذي الجارح، فلم يجبني أحد ولم يعرني اهتماما، فاستمرت المشكلة لقبيل الفجر حتى قالت: (طلقني لأن رجلا آخر غيرك سوف أتزوجه)، ورغم ثقتي في عفتها وعدم فعلها مثل هذا إلا أنه جن جنوني وطار عقلي فأبديت التماسك واتصلت بأهلها مجددا طلبا مساعدتهم دون جدوى ، ثم إني فقدت صبري وحلمي ومرت السنوات أمام عيني سوداء فضربتها ضربا شديدا جدا بسلك الكهرباء على ظهرها حتى بدت كالمجلودة على ظهرها بشدة. وأنا ثقة بموقعكم الكريم أطلب إليكم ذلك البيان الشافي لكافة مذاهب العلماء في مسألة نشوز الزوجة وما يترتب عليه من حقوق؟ وبيان مسألة ضرب الزوجة الناشز وكافة درجات هذا الضرب وتبعات كل نوع منه وما يلزم الزوج فيه من حقوق. مع المشورة بالحل الأمثل لهذه المشكلة وبيان موقف كل شخص من الحق؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء فيما يثبت به نشوز الزوجة ، فذهب الأحناف إلى أنه يحصل بخروجها من بيته بغير إذنه.
قال الكاساني : وَالنُّشُوزُ في النِّكَاحِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا من الزَّوْجِ بِغَيْرِ حَقٍّ خَارِجَةً من مَنْزِلِهِ بِأَنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَغَابَتْ أو سَافَرَتْ، فَأَمَّا إذَا كانت في مَنْزِلِهِ وَمَنَعَتْ نَفْسَهَا في رِوَايَةٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّهِ مُنْتَفِعٌ بها ظَاهِرًا وَغَالِبًا فَكَانَ مَعْنَى التَّسْلِيمِ حَاصِلًا. بدائع الصنائع.
وذهب المالكية إلى أن النشوز يحصل بمنعه من الاستمتاع بها أو خروجها بغير إذنه أو تركها لفرائض الله.
قال الدردير: النشوز الخروج عن الطاعة الواجبة كأن منعته الاستمتاع بها أو خرجت بلا إذن لمحل تعلم أنه لا يأذن فيه، أو تركت حقوق الله تعالى كالغسل أو الصلاة، ومنه إغلاق الباب دونه كما مر. الشرح الكبير للدردير.
وذهب الشافعية إلى أن النشوز يحصل بمنعه من الاستمتاع بها أو الخروج بغير إذنه.
قال النووي: فرع فيما تصير به ناشزة فمنه الخروج من المسكن، والامتناع من مساكنته، ومنع الاستمتاع بحيث يحتاج في ردها إلى الطاعة إلى تعب، ولا أثر لامتناع الدلال، وليس من النشوز الشتم وبذاء اللسان لكنها تأثم بايذائه وتستحق التأديب.
وذهب الحنابلة إلى أن النشوز يحصل بمعصيتها فيما يجب له عليها واختلال أدبها في حقه.
قال الحجاوي: إذا ظهر منها أمارات النشوز بأن تتثاقل أو تتدافع إذا دعاها إلى الاستمتاع، أو تجيبه متبرمة متكرهة ويختل أدبها في حقه. الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل.
ويترتب على النشوز سقوط حق الزوجة في النفقة والسكنى، ويجوز للزوج تأديبها على النشوز، بالوعظ ثم الهجر في المضطجع ثم الضرب غير المبرح.
قال النووي: والوعظ التذكير بما يلين القلب لقبول الطاعة واجتناب المنكر. (ثم) إذا لم يفد الوعظ (هجرها) أي تجنبها في المضجع فلا ينام معها في فرش لعلها أن ترجع عما هي عليه من المخالفة. (ثم) إذا لم يفد الهجر (ضربها) أي جاز له ضربها ضربا غير مبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة، ولا يجوز الضرب المبرح ولو علم أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه والقصاص، ولا ينتقل لحالة حتى يظن أن التي قبلها لا تفيد. روضة الطالبين.
وقال الحجاوي: إذا ظهر منها أمارات النشوز ..... وعظها فإن رجعت إلى الطاعة والأدب حرم الهجر والضرب، وإن أصرت وأظهرت النشوز بأن عصته وامتنعت من إجابته إلى الفراش، أو خرجت من بيته بغير إذنه ونحو ذلك هجرها في المضجع ما شاء وفي الكلام ثلاثة أيام لا فوقها، فإن أصرت ولم ترتدع فله أن يضربها فيكون الضرب بعد الهجر في الفراش وتركها من الكلام ضربا غير مبرح أي غير شديد ويجتنب الوجه والبطن والمواضع المخوفة والمستحسنة: عشرة أسواط فأقل، وقيل بدرة أو مخراق منديل ملفوف لا بسوط ولا بخشب.
والذي ننصحك به أن تصبر على زوجتك وتداوم مناصحتها وتتعامل معها بالحكمة، فتضع الشدة والرفق في مواضعهما، مع مراعاة طبيعة المرأة التي وصفها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:... وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا. متفق عليه.
مع الالحاح في دعاء الله عز وجل أن يصلحها ويوفق بينكما إنه قريب مجيب.
وللفائدة راجع الفتوى رقم : 22559.
والله أعلم.