أرشيف المقالات

سورية في الطريق نحو الحرية - أحمد بن عبد الرحمن الصويان

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .


ثمانمائة قتيل حتى الآن هي حصيلة الاحتجاجات السلمية في سورية، والقصة لم تنته بعد!

مئات الجرحى، وآلاف المعتقلين، وتعذيب وحشي فاق الحدود...
حصارٌ ضارٍ على مدينة درعا، وانتهاك صارخ لكرامة الشعب وحقوقه.

ما العقلية التي يواجه فيها النظام السوري هذه الاحتجاجات؟

إنها ببساطة شديدة عقلية الاستبداد والطغيان التي لا تعرف إلا القمع والقهر، وليس عندها قيم أو مبادئ.

عقدة (مدينة حماة) التي قتل فيها أكثر من عشرة آلاف قتيل في أقل التقديرات هي المؤثر الرئيس للعقلية الدموية التي يتعامل فيها النظام السوري مع أهل درعا، وسائر المدن السورية.

وإذا كان النظام السوري يتشدق بنجاحه في إبادة حماة وخنق أصوات أحرارها، فهل سينجح في درعا؟!


ربما سيتحقق نجاح كبير (في موازينهم) من حيث عدد القتلى، وعدد الانتهاكات الوحشية، لكن ما لم يدركه النظام بَعْدُ: هو أن سورية تغيرت، وأنَّ الاحتجاجات الحالية ليست خياراً نخبوياً محدوداً لمجموعة حزبية أو قبلية، بل هي خيار شعبي واسع النطاق، لا تزيده رائحة الدماء إلا اشتعالاً واتساعاً.

جدار الخوف الذي بناه النظام في مذبحة حماة، بدأ يتساقط، بل أرجو أنه تحطم، ولا يمكن للنظام إعادة ترميمه مرة أخرى، وخطاب الحرية والبسالة الذي استثار الشارع السوري لا يمكن وأده بحماقة الساسة أو برصاصة القنَّاصة!

الطريف في الأمر أنَّ النظام السوري أراد أن يمتص ثورة الغضب الشعبي بسعيه إلى الإصلاح، وتحدث الرئيس السوري عن حاجة البلد إلى الإصلاح بسرعة دون تسرُّع، لكن يبدو أن طبيب العيون مصاب بعشى يمنعه الرؤية!

فهل سيصدق الشعب دعوات الإصلاح الرسمية حقاً؟


يدرك السوريون أن بنية النظام الحالي تتألف من ثلاثة مكونات أساسية:

1) المكون النصيري الطائفي الممسك بمفاصل الدولة الأساسية.

2) المكون البعثي الحزبي واجهة للمكون الأول - الذي يتعامل مع الآخرين بمنطق الإقصاء والتصفية، واختزال مؤسسات الدولة والمجتمع بتعليمات الحزب ونفوذ الأقلية.

3) عصابات الفساد التي رسخت جذورها في نسيج الدولة، وولغت أياديها الملوثة في كل الميادين، واستغلت نفوذها السياسي بالتسلط على حقوق الناس وكرامتهم.

وكل دعوى للإصلاح دون تفكيك هذه البنية، فإنها دعوى شكلية يراد منها المناورة والخداع، وامتصاص غضب الشعب، وطريق الحرية الوحيد لسورية هو استنقاذ الدولة من ذلك النظام الفاسد، وقد أدرك الناس بعد طول تجربة أن من استمرأ الفساد لكن يكون مصدراً للإصلاح.


وفي ظل هذا الواقع المتردي؛ من الضروري التأكيد على مسألتين مهمتين:

المسألة الأولى: محاكمة النظام

تعالت بعض الأصوات السورية والعربية التي تطالب بمحاكمة مجرمي النظام السوري في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات، وغيرهما من المحاكم الأممية، ولا شك أن الضغط على النظام القمعي في المحافل الدولية والمنظمات الدولية مطلب ملح يجب التعاون لتحقيقه، لكن الدعوة إلى التحاكم إلى غير شرع الله ضلالة كبرى، وقد أمرنا أن نكفر بطواغيتهم، كما قال - تعالى-: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً) ( النساء : 62).

وأحسب أن عند الشعب السوري البطل من الجَلَد وطول العزيمة والهمة العالية ما يجعله يحاكم المجرمين بإذن الله - تعالى- في قلب الشام عاجلاً أو آجلاً، كما استطاع الشعب المصري أن يحاكم فراعنته في قلب الكنانة.


المسألة الثانية: الاستنجاد بالغرب

يحزننا جداً ما يجري من القتل والقمع، ويسوؤنا ما يحصل من الاستبداد والتطاول، ولكن ليس الحل بالاستنجاد أو الاستقواء بالغرب، والدعوة إلى التدخل الأمريكي أو الأوروبي عسكرياً لاستنقاذ الشعب، والنجاة من الاستبداد والقمع لا يكون بالهرب إلى التبعية وإسلام بلداننا إلى العدو الكافر!


لقد كنا نتهم الليبراليين والنفعيين عندما دخلوا إلى بغداد على دبابة المحتل الأمريكي، ونعد ذلك خيانة عظمى للأمة، ويجب أن نطَّرد في مواقفنا، ونرفض الاستقواء بالعدو أياً كان لونه أو دينه.

وأحسب أنَّ الشعب السوري قادر بإذن الله - تعالى - على حسم خياراته في معركته الكبرى مع النظام، نعم! ستكون هناك تضحيات جسيمة وتحديات كبيرة، ولكن هذا هو ثمن العزة والحرية الذي لا يدرك قيمته إلا الأبطال.


إنَّ مواجهة عقود من تغوُّل النظام السوري وبطشه واستعلائه في الأرض لن يكون أمراً سهلاً بالتأكيد؛ لكن الثورات العربية علمتنا أن جذور الظلم والبغي جذور مترهلة، وكأنها أعجاز نخل خاوية، وسنة الله - تعالى - في الظالمين ماضية، وما أجمل قول الأستاذ عباس العقاد: "كثيراً ما يكون الباطل أهلاً للهزيمة، ولكنه لا يجد من هو أهل للانتصار عليه"!
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣