عنوان الفتوى : ترك ضرب الزوجة أولى، والمباح منه تسبقه خطوات
ما حكم ضرب الزوجة التي تقوم بعمل مكلف من قبل الزوج بطريقتها الخاصة ولكنه لم ينل الرضا علي الرغم من أن الزوجة على حق؟ وهل من حق الزوجة في هذه الحالة أن تخاصم زوجها؟وشكرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه القيم "المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية": والراجح أن ضرب الزوج زوجته على وجه التأديب مباح إذا لم ينفع معها الوعظ والهجر، ولم يستطع الزوج الصبر على نشوزها ومعصيتها. ويكون ترك الضرب أفضل إذا أمكن إصلاح الزوجة بدون ضرب؛ وإن استلزم ذلك الصبر عليها والاستمرار على معالجة عصيانها بالوعظ والهجر، لدلالة بعض الأحاديث النبوية الشريفة على أن الأولى والأفضل هو ترك الضرب، وهذا ما أخذ به الإمام الشافعي فعنده ترك الضرب أولى وأفضل، ويؤيد هذه الأفضلية لترك الضرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضرب زوجة له قط، فقد أخرج ابن ماجه في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له، ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً. .
وقال القاضي ابن العربي في أحكام القرآن: قال عطاء: لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه، ولكن يغضب عليها. قال القاضي: هذا من فقه عطاء، فإنه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب ها هنا أمر إباحة، ووقف على الكراهية من طريق أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زمعة: إني لأكره للرجل يضرب أمته عند غضبه، ولعله أن يضاجعها في يومه. وروى ابن نافع عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: استؤذن في ضرب النساء؟ فقال: اضربوا. ولن يضرب خياركم.
فأباح وندب إلى الترك، وإن في الهجر لغاية الأدب، والذي عندي أن الرجال والنساء لا يستوون في ذلك، فإن العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة ومن النساء، بل من الرجال من لا يقيمه إلا الأدب، فإذا علم ذلك الرجل فله أن يؤدب، وإن ترك فهو أفضل. انتهى
ومما سبق يعلم أن ليس للزوج أن يعاجل امرأته بالضرب تأديباً لها، وإنما يبدأ بالوعظ أولاً، ثم الهجر، والضرب يأتي في نهاية المطاف مع أن تركه أولى.
وعلى هذا فقد أخطأ الزوج بضربه لزوجه، وإن كان ما فعلته مما جاء في السؤال يعد عصياناً لأمره، فإنه كان عليه أن يتدرج معها على النحو الذي ذكرناه من الوعظ ثم الهجر ثم الضرب، وهو مقتضى قوله تعالى في سورة النساء: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34].
وليعلم أن صفة الضرب المذكور في الآية على نحو ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاضربوهن ضرباً غير مبرح.
وهو جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها، فإن المقصود منه الصلاح لا غير. انتهى
وأما بالنسبة لمخاصمة المرأة لزوجها، فمن الطبيعي أن تغضب المرأة من زوجها لا سيما إذا ضربها وإذا شعرت أنها مظلومة، ولا يكاد بيت يخلو من مخاصمة تثور بين حين أو آخر بين الزوجين.
ونوصي الزوجة بالصبر والصفح عن زوجها، ونوصيهما معاً بأن يتعاشراً بالمعروف، وأن يحرص كل واحد منهما على الصفح عن زلة صاحبه حتى تدوم العشرة بإذن الله.
قال البهوتي في كشاف القناع: ويسن لكل من الزوجين تحسين خلقه لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إلى قوله تعالى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْب قيل هو كل من الزوجين. انتهى
والله أعلم.