عنوان الفتوى : عدم صحة ما نسب للإمامين الشافعي وأحمد من مدح للصوفية
موقف أهل السنة من الصوفية وخاصة أن هناك من أهل السنه من تكلموا فيها مثل أبي حنيفه النعمان وأنس بن مالك والشافعي حيث قال ( حبب إليّ من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف). وأحمد بن حنبل حيث قال: (لا أعلم أقواماً أفضل منهم. قيل له: إنهم يستمعون ويتواجدون؟ قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة). وغيرهم الكثير مثل أبي حامد الغزالى والعز بن عبد السلام والسيوطي؟ أفتوني بارك الله فيكم وبسرعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمصطلح التصوف مصطلح حادث، وقد مر بأطوار مختلفة وانتسب له أناس مختلفوا المشارب، وقد كان في وقت من الأوقات يعني عند بعض أهل العلم: الزهد والورع والاشتغال بالعبادة والانقطاع عن الدنيا، إلا أن ذلك لم يدم طويلا حتى دخل عليه الفكر الفلسفي فأخرجه عن مجرد السلوك والتعبد إلى طرق مبتدعة من حيث التأصيل والتفريع، وقد سبق لنا بيان شيء من ذلك في عدة فتاوى، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 29243، 13742، 7230، 13353، 27699،8500
وأما بخصوص ما نسب للإمامين الشافعي وأحمد، فننبه على أن الكذب ليس له سقف ينتهي إليه، والدعاوى التي لا تقوم عليها البينات أصحابها أدعياء بعداء، ورحم الله عبد الله بن المبارك القائل: إن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. اهـ.
فأما ما نسب إلى الإمام الشافعي فعزاه الصوفية في كتبهم ورسائلهم لكتاب (كشف الخفاء) للعجلوني، وسننقل للسائل السند الذي ذكره العجلوني ليقف على حقيقة الإسناد والتثبت في النقل عند الصوفية ! فبالرجوع إلى (كشف الخفاء) نجد العجلوني ذكر ذلك في ذيل حديث لا أصل له، ويظهر عليه أثر الصنعة ظهورا بينا، وأنه لم يعزه لكتاب من الكتب المعتبرة المسندة، فقد ذكر حديثا وعزاه للشبراملسي في حاشيته على المواهب عن الذريعة لابن العماد، ثم ذكر له رواية أخرى (!) وعزاها لمجالس للخافجي مع بعض المخالفة والزيادة، ولفظها: قيل إنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر هذا الحديث قال أبو بكر: وأنا يا رسول الله حبب إلي من الدنيا ثلاث: النظر إليك، وإنفاق مالي عليك، والجهاد بين يديك. وقال عمر: وأنا حبب إلي من الدنيا ثلاث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله. وقال عثمان: وأنا حبب إلي من الدنيا ثلاث: إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام. وقال علي ابن أبي طالب: وأنا حبب إلي من الدنيا ثلاث: إكرام الضيف والصوم في الصيف والضرب بالسيف. فنزل جبريل عليه السلام وقال: وأنا حبب إلي من الدنيا ثلاث: إغاثة المضطرين وإرشاد المضلين والمؤانسة بكلام رب العالمين. ونزل ميكائيل فقال: وأنا حبب إلي من الدنيا ثلاث: شاب تائب وقلب خاشع وعين باكية. اهـ.
ثم قال العجلوني: وفي كلام بعضهم أن أبا حنيفة لما وقف على ذلك قال: وأنا حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك الترفع والتعالي، وقلب من حبين خالي، والتهجد بالعلم في طول الليالي. وأن مالكا لما وقف عليه أيضا قال: وأنا حبب إلي من دنياكم ثلاث: مجاورة تربة سيد المرسلين وإحياء علوم الدين والاقتداء بالخلفاء الراشدين. وأن الشافعي رضي الله عنه لما وقف عليه أيضا قال: وأنا حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والاقتداء بطريق أهل التصوف. وأن أحمد لما وقف عليه قال: وأنا حبب إلي من دنياكم ثلاث: عطاء من غير منة ونفس مطمئنة والاتباع للسنة. اهـ.
فهذا هو إسناد القوم: (وفي كلام بعضهم أن) !!! فهل يقبل مثل هذا الإسناد أحد من العقلاء فضلا عن العلماء ؟!
وأما ما نسب للإمام أحمد فذكره طائفة من الحنابلة كابن مفلح في (الآداب الشرعية) فقال: ذكر الحافظ بن الأخصر فيمن روى عن أحمد في ترجمة إبراهيم بن عبد الله القلانسي قال: قيل لأحمد بن حنبل: إن الصوفية يجلسون في المساجد بلا علم على سبيل التوكل.!؟ قال: العلم أجلسهم؟ فقال: ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة خبز وخرقة، فقال: لا أعلم على وجه الأرض أقواما أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون؟ قال: دعوهم يفرحون مع الله تعالى ساعة.
قال ابن مفلح عقب هذه القصة المخترعة قال: كذا روى هذه الرواية، والمعروف خلاف هذا عنه. اهـ.
وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال) في ترجمة علي بن الحسن الطرسوسي: صوفي وضع حكاية عن الإمام أحمد في تحسين أحوال الصوفية، رواها عنه العتيقى. اهـ.
وعزا ابن حجر في (لسان الميزان) هذه القصة للطيوريات، وذكرها بإسناد العتيقي، ثم قال: وأخرج الخطيب في ترجمة نصير بن عيسى من كتاب الرواة عن مالك حديثا من طريق العتيقي أيضا عن علي بن الحسن الطرسوسي بمصر عن العباس بن أحمد بن الفضل الخواتيمي حديثا وقال: في سنده غير واحد من المجهولين. فدخل هذا الطرسوسي فيهم. اهـ.
والشاهد أن هذه الحكاية موضوعة، والصواب عن هؤلاء الأئمة ونحوهم هو ذم الصوفية والتحذير منهم.
قال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): لما قل علم الصوفية بالشرع فصدر منهم من الأفعال والأقوال ما لا يحل مثل ما قد ذكرنا، ثم تشبه بهم من ليس منهم وتسمى باسمهم وصدر عنهم مثل ما قد حكينا، وكان الصالح منهم نادرا ذمهم خلق من العلماء وعابوهم حتى عابهم مشائخهم. وبإسناد عن عبد الملك بن زياد النصيبي قال: كنا عند مالك فذكرت له صوفيين في بلادنا، فقلت له: يلبسون فواخر ثياب اليمن ويفعلون كذا؟ قال: ويحك ومسلمين هم؟ قال: فضحك حتى استلقى، قال: فقال لي بعض جلسائه: يا هذا ما رأينا أعظم فتنة على هذا الشيخ منك، ما رأيناه ضاحكا قط. وبإسناد عن يونس يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق. وعنه أيضا أنه قال: ما لزم أحد الصوفية أربعين يوما فعاد عقله إليه أبدا. وأنشد الشافعي:
ودعوا الذين إذا أتوك تنسكوا *وإذا خلوا كانوا ذئاب حقاف. اهـ.
وننصح بقراءة كتب: الشيخ إحسان إلهي ظهير، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، والشيخ محمد جميل غازي، والشيخ عبد الرحمن الوكيل، عن الصوفية، ففيه بيان لحال القوم وبيان لرأي الأئمة فيهم.
والله أعلم.