{ذلك ما كنت منه تحيد}
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
﴿ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾إلى متى تحيد؟
تحيد بفكرك عن التفكير فيه؟
تحيد بقلبك عن تخيله؟
تحيد ببصرك عن رؤيته ماثلًا أمامك يوميًّا؟
تحيد بسمعك عن سماع أخباره فيمن حولك؟
هل عرفته؟
نعم، إنه الموت نهاية كل حي، هادم الذات، منغص الشهوات، ومفرِّق الجماعات.
قال تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19]، جاءت سكرة الموت بالحق؛ أي: إنها حقٌّ وحقيقة، لا مفر منها، ولا مناص.
فهل هناك أصدق من الله ليخبرك أنه آتٍ لا محالة معاذ الله؟
إذًا إلى متى ستهرب منه؟
إلى أن تراه أمامك، إلى أن يُكشف عنك غطاؤك، إلى أن تبصر ملائكة الموت أمامك، إلى أن تعالج سكراته، إلى أن يفجعك بقدومه، وترى عملك شاخصًا بين يديك، فتبكي؛ حيث لا ينفع البكاء، بل تصرخ وإن لم تستطع الصراخ، إلى أن يبكيك القريب والبعيد، إلى أن يُنادَى عليك، ثم تُغسَّل وتُكفَّن وتُدفن، إلى متى؟
أفِقْ قبل فوات الأوان، واعمل لهذا اليوم، وانظر ما قدمت يداك له؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
فاعمل لهذا اليوم؛ فإنك لا تعلم متى يأتيك، فتقوم قيامتك، ويبدأ حسابك.
عن شداد بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكَيِّسُ مَن دان نفسَه، وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على اللهِ)).
وأكْثِرْ من ذِكره؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أكْثِروا ذكر هادم اللذات؛ فإنه ما ذكره أحد في ضيق العيش إلا وسَّعه عليه، ولا في سَعَةٍ إلا ضيَّقه عليه))، فذِكْرُ الموت يزهدك في الدنيا، ويساعدك على الاستعداد له؛ فكل آتٍ قريب؛ فهو أقرب إلينا من شراك النعل.
اللهم أحسن خواتيمنا، وخفِّف علينا سكرات الموت.