عنوان الفتوى : جلسة الخاطب مع مخطوبته

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم جلسة الخاطب مع مخطوبته

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-

نعم ، يجوز للخاطب أن يزور مخطوبته ، ليتبادلا أطراف الحديث ليقف كل واحد على طبيعة صاحبه.

ومما ينبغي معرفته أن فترة الخطبة ليست محطة لتفريغ الشهوات والعواطف سواء أكان هذا عن طريق الكلام، أو الفعل، أو غير ذلك، ولا يجوز تبادل الكلمات التي تثير العواطف ، وتحرك الشهوات، ويحل للخاطب أن يجلس مع مخطوبته في وجود محرم، ويتكلم معها في حدود ما يسمح به العرف المنضبط بالشرع، حيث إنها ما زالت أجنبية عنه حتى يعقد عليها.

فللخاطب أن يرى من مخطوبته وجهها ويديها حتى يتبين ملامحها ، ليكون أدعى إلى القبول بينهما ، وأنفى للجهالة ، ولا مانع من النظر بشهوة أثناء تعرفه عليها ، كما قال النووي ، وله أن يعيد النظر ويكرره ، حتى يكون على بينة من أمره .

فإذا رضي بها وأعجبته فلا يجوز له أن ينظر إليها بشهوة ، لأنها أجنبية ، وإنما يجوز أن ينظر إليها كما ينظر إلى بقية نساء المسلمين بلا ريبة ولا شهوة ولا تلذذ .

والخاطب أجنبي عن مخطوبته لا يحل له منها إلا أن يرى وجهها وكفيها ( عند من يجيز كشفهما ، وعند من يمنع كشفهما فيجب عنده أن تلبس المخطوبة النقاب) ولا يجوز له أن يلمسها ، ولا أن يتحسس جسمها ، ولا أن ينظر إليها بشهوة ، ولا أن يقبلها ، ولا أن يقترب منها بحيث يكون ملاصقا لها ، ومماسا لجسدها ، فكل ما له هو أن يجلس معها في وجود المحرم ، وتجلس هي ولا تظهر سوى الوجه والكفين ، ويتبادلا الحديث الذي ليس فيه تمايع ، ولا تكسير ، ولا شهوة ، والمقصود من الحديث أن يتعرف كل واحد إلى شخصية الآخر .

والحديث بين المخطوبين حديث جاد، أو كما سماه الله تعالى ( وقلن قولا معروفا) فليس هو حديث الحبيبين، أو العاشقين، وليس فيه كلمات الغزل، ولا كلمات الحب والعشق فضلا عن ألفاظ الزنا والخنا.

فالخطبة لا تحل حراما، ولا تقرب بعيدا، ولا تهدم السدود، ولا تزيل الحدود، وقد يحسب كثير من الناس أن الخطبة متنفس للشباب والفتيات تسمح لهم بإخراج ما تفيض به المشاعر، وبث ما تحمله القلوب، وتنطوي عليه الضلوع، بل يحسبها البعض متنفسا لإفراغ الشهوة المكبوتة … فتحملق العيون، وتتسع الحدقات، وتنطلق الألسنة هادرة سابحة، وقد يقف البعض بالخطبة عند هذه المحطة.
وقد يستمر آخرون فيستحلون كل حرام باسم الخطبة، ويحصلون على كل ما يريدون باسم الحب .

والحق أن هذا كله ليس من الإسلام في شيء، فالخطبة للتروي والاختبار، والاستشارة والاستخارة، وللمدارسة والمكاشفة حتى يمضي هذا العقد الغليظ ، أو يرى صاحباه أنهما أخطآ الطريق فيفترقا.
أما إشباع الحواس المتعطشة بدءا من العيون، ومرورا بالآذان، وختاما بالجوارح فلا يكون إلا بعد الزواج.
بل إن على المخطوبين إذا أحسا بأن حواسهما تنازعهما نحو الحرام، وأن الوئام أصبح حبا لا يقاوم ، وأن هذه العاطفة القلبية أصبحت تتمشى في جوانب النفس، وتترسم على الجوارح……. عليهما حينئذ أن يعجلا بالعقد…. أو يكفا عن هذه الجلسة.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:-

لا يجوز للخاطب أن يمس وجه المخطوبة ولا كفيها وإن أمن الشهوة ؛ لما في المس من زيادة المباشرة ؛ ولوجود الحرمة وانعدام الضرورة والبلوى .

و لم يشترط الحنفية والمالكية والشافعية لمشروعية النظر أمن الفتنة أو الشهوة أي ثورانها بالنظر ، بل قالوا : ينظر لغرض التزوج وإن خاف أن يشتهيها ، أو خاف الفتنة ؛ لأن الأحاديث بالمشروعية لم تقيد النظر بذلك . واشترط الحنابلة لإباحة النظر أمن الفتنة .

وأما النظر بقصد التلذذ أو الشهوة فهو على أصل التحريم . انتهى .

ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي مبينا ضوابط الخلوة :-

اختلف الفقهاء، في خلوة رجل بأكثر من امرأة، وفي خلوة امرأة بأكثر من رجل: هل تدخل في دائرة الخلوة المحرمة شرعاأوْ لا؟
فذهب المالكية والحنابلة إلى أنها من الخلوة المحظورة
واختلف الشافعية في ذلك، ولكن الذي عليه محققوهم جواز ذلك. ورجحه الإمام النووي في (المجموع) قال: ودليله الحديث: “لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان} قال: ولأن النساء المجتمعات، لا يتمكن الرجل في الغالب من مفسدة ببعضهن في حضرتهن” والمغيبة: من غاب عنها زوجها في الجهاد وغيره.
واتفق الحنفية على أن الصور المسئول عنها لا تدخل في الخلوة الممنوعة.
والذي أرجحه هنا: ما ذهب إليه الحنفية، وما ذكره النووي وغيره من الشافعية من أن تعدد النساء أو تعدد الرجال يمنع تحقق الخلوة.
والدليل على ذلك عدة أمور:
1ـأن الخلوة معناها لغة: الانفراد، وفي حالة التعدد لم ينفرد الرجل بالمرأة، ولم تنفرد به.
2ـأن نص الحديث يقول:”لا يخلون رجل بامرأة” “ما خلا رجل بامرأة” ولم يقل الحديث “ما خلا رجل بنساء” ولا “ما خلا رجال بامرأة” فهذه الصورة التي وقع فيها التعدد لا تدخل في نص الحديث.
3ـ ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمر مرفوعا: “لايدخلن رجل على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان”
4ـ أن منع الخلوة إنما كان لأنها مظنة الفتنة، وطريق إلى الإغراء بالمعصية، ومع وجود التعدد تصبح المظنة بعيدة، كما جرت بذلك العادة.
5ـ أننا لو قلنا بأن التعدد لا يمنع من الخلوة، لكان معناه: أن المدرس الذي يدرس في الفصل لعدد من الطالبات قد يبلغن العشرات، يعتبر خاليا بهن، وهذا غير مقبول.
6ـ أن الحاجة في عصرنا تقضي بالتيسير في ذلك، وإلا تعطلت أمور كثيرة، فيكفي أن يكون مع الطبيب ممرض أو ممرضة، عندما يكشف على مريضة، ولا يعتبر ذلك خلوة، وكذلك يكفي أن يكون مع المدير رجل أو امرأة، لتراجعه إحدى الموظفات. وهكذا.
ويستثنى من ذلك أهل الريبة، فإن وجود عدد من الرجال الذين لا ثقة بدينهم وأخلاقهم، لا يمنع الخلوة، وكذلك وجود عدد من النسوة سيئات السلوك، لا يمنع الخلوة، بل ربما ساعد العدد هؤلاء وهؤلاء على الفساد.

والله أعلم .

حرر هذه الفتوى حامد العطار عضو لجنة تحرير الفتوى بالموقع .