عنوان الفتوى : سؤال الصدقة في المسجد

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم الدِّين فيمن يدخل المسجد في يوم الجمعة أو في المناسبات، ويطلب من الناس معونة متظاهرًا بالمرض أو الحاجة، هل يجوز له ذلك، وهل يجوز أن نتصدَّق عليه؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

لقد ألَّف الإمام السيوطي رسالة في هذه الموضوع بعنوان ” بَذْلُ العَسْجَد لِسُؤَالِ المَسْجِد”، ولخَّص الحكم في قوله: السؤال في المسجد مكْروه كراهة تنْزيه، وإعطاء السائل قُربة يُثاب عليها، وليس بمكروه فضلًا عن أن يكون حرامًا، هذا هو المنْقول والذي دلَّت عليه الأحاديث، وأورد حديثًا رواه أبو داود بإسناد جيد عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا”؟ فقال أبو بكر: “دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كِسْرةً في يد عبد الرحمن فأخذْتها فدفعتُها إليه. ففيه دليل على أن السؤال في المسجد ليس بحرام، وأن الصدقة عليه ليست مكروهة، حيث أَطْلع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك بإخبار أبي بكر ولم يُنكره، ولو كان حرامًا لم يُقرَّ عليه، بل كان يمنع السائل من العَوْد إلى السؤال بالمسْجد، ولو ثَبَت أن هناك نهيًا عن السؤال بالمسجد لكان محمولًا على الكراهة التنزيهيَّة وكان حديث أبي بكر صارفًا له عن الحرمة.

وقد نص النووي في شرح المُهذَّب على أنه يُكره رفع الصوت بالخصومة في المسجد ولم يَحكم عليه بالتحريم، وكذا رفع الصوت بالقراءة والذكر إذا آذى المصلين والنيام نصُّوا على كراهته لا تحريمه، فالحكم بالتحريم يحتاج إلى دليل واضح صحيح الإسناد وغيرِ مُعارَض، ثم إلى نصٍّ من أحد أئمة المذاهب، وكل من الأمرين لا سبيل إليه. وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم، قال المنذري: وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنَّسائي في سننه، والبخاري في أحكام المساجد للزَّركشي.

ومن الأدلة حديث آخر رواه الطبراني في الأوسط عن عمار بن ياسر قال: وقف عَلَى عَلِيِّ بن أبي طالب سائلٌ وهو راكع في تطوُّع، فنزع خاتمه فأعطاه السَّائِلَ، فنزلت (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرُسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (سورة المائدة:55). وذكر السُّيوطي طُرُقًا أخرى لنزول هذه الآية وفيها: تصدَّق عليٌّ وهو راكع، ثم ذكر حديثًا للحاكم والبيهقي عن حذيفة بن اليمان قال: قام سائل على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسأله، فسكَت القوم، ثم إنَّ رجلًا أعطاه فأعطاه القوم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” مَن سنَّ خيرًا فاستُنَّ به فله أجره ومِثْل أجور مَنِ اتَّبَعَهُ غيرَ مُنْتَقِصٍ من أجورهم شيئًا” وذكر أن الحديث الذي ذكره ابن الحاج في كتابه “المدخل” وهو “مَن سأل في المسجد فاحْرِمُوه” لا أصل له، وقال: إنَّ حُكْمَنا بِالْكَرَاهَة مأخوذ من حديث النهي عن نُشْدان الضَّالَّة في المسجد وقوله: “إن المساجد لم تُبْن لهذا” قال النووي في شرح مسلم: في الحديث النهي عن نُشْدان الضالة في المسجد، ويُلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها وكراهة رفع الصوت في المسجد بالعِلْم وغيره، وأجاز أبو حنيفة ومحمد ابن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج الناس إليه؛ لأنَّه مُجَمِّعُهم فلا بد لهم منه. أهـ

وجاء في ” غذاء الألباب للسفاريني” “ج2 ص 267” أن ابن تيميَّة سُئِلَ عن السؤال في المسجد فقال: أصل السؤال محرَّم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كانت ضرورة وسأل في المسجد ولم يُؤْذِ أحدًا كتخطية رقاب الناس، ولم يَكْذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهرًا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علمًا يشغلهم به ونحو ذلك جاز.