أرشيف المقالات

الذهاب إلى السحرة والكهان

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الذهاب إلى السحرة والكهان
ومن محبطات الأعمال والحسنات: الذَّهابُ إلى الكهنة والعرَّافين والسحرة، والاستعانةُ بهم، ويقصد بالعرَّاف أنه الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَة مَكَان الْمَسْرُوق، وَمَكَان الضَّالَّة، وَنَحْوهمَا؛ أي: إنه يدَّعي معرفة الأمور، وما يقع في المستقبل، وما يكون من أمور غائبة، ونحو ذلك، بأيِّ طريقة كانت، سواء كان ذلك بالنظر في النجوم، ويُقال له: "المنجِّم"، أم بالخطِّ في الأرض، والطرْق في الحصى، ويقال له: "الرمَّال".

ويقصد بالكاهن أنه الذي يتَّصِل بالشياطين؛ ليخدموه بعد أن يكفر بالله عز وجل، يخبرونه بما استرقوه من السَّمْع، ثم هو يُضيف إليه ما يُضيف من الأخبار الكاذبة؛ ليأكل أموال الناس بالباطل.

والعرَّاف شاملٌ لكل من ادَّعى علم الغيب؛ من الكاهن، والمنجِّم، والرمَّال ونحوهم، ممن يقرأ في الكفِّ والفنجان وغير ذلك، ممن يتكلم في معرفة الأمور الغيبية بطرق شيطانية، فإن هؤلاء يعبدون الشياطين، ويتقرَّبون إليهم؛ ليُحقِّقوا مقصدَهم، فهم في الحقيقة خُدَّام للجنِّ، وأولياءُ لهم، فالعرَّاف والكاهن حين يلجأ إلى الجنِّ، يطلب الجني من الكاهن السجود والذبح له، والكفر بالله عز وجل، وتدنيس المصحف، فإن رأى منه استجابة أعطاه ما طلب، باستراق بعض المعلومات من الملائكة، فيزيد عليها الكاهن أكاذيب كثيرة.
فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ: ((لَيْسُوا بِشَيْءٍ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ))؛ رواه البخاري.
ولقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الذَّهاب إلى الكهَّان ابتداء؛ حيث جاء عن مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ"، قَالَ: ((فَلَا تَأْتِهِمْ))؛ رواه مسلم.
ومن خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم فأتى عرَّافًا، حبط عنه ثواب صلاةِ أربعين يومًا، لما رَوَتْه صَفِيَّةُ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً))؛ رواه مسلم.
فبمجرد سؤال العرَّاف سواء بمقابلته، أو الاتِّصال به عبر الهاتف يحبط عنك ثواب صلاة أربعين يومًا، فما أعظمَها من خسارة وما أشدَّها من عقوبة!
ومَنْ صدَّق كلام العرَّاف فقد وقع في الكفر، والعياذ بالله؛ لما رواه أبو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم))؛ رواه أحمد.
ويكثُر ذهاب الناس إلى السحرة والعرَّافين حينما يمرضون، ولا يجدون علاجًا عند الأطباء، فيذهبون إلى بعض الرُّقاة ليقرؤوا عليهم شيئًا من القرآن، فيتفاجؤون أن ذلك الراقي غيرُ صادقٍ، وأنه يستعين بالجنِّ لعلاج مرضاه، وترى المريض يسكت عن ذلك الساحر، ولا يُبلِّغ عنه الجهات المختصَّة طالما استفادَ منه في كشف ضُرِّه، وما علم هذا المسكين أن ثواب صلاة أربعين يومًا قد حبط عنه، وأما إذا صدَّقَه، فقد وقع في الكفر؛ لذلك يجب عدم الاغترار ببعض من يتسترون بمظهر المسلمين ولكنهم في الحقيقة سحرةٌ مُشعوذون.

ويمكن لكل شخص معرفة الساحر والعرَّاف بعدة أمور أهمها: إذا سألك عن اسمك واسم أمِّك، فاعلم أنه يستعين بالجنِّ، وإذا طلب أثرًا منك؛ كقطعة من ملابسك فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا طلب منك أن تذبح حيوانًا بصفات معينة، أو تلطيخ بدنك بدم ذلك الحيوان، فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا أعطاك حجامة فيها كتابة طلاسم أو حروف مُقطَّعة، وجداول حسابية، وكلام غير مفهوم مع بعض الآيات، فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا رأيته يُتمتِم أثناء قراءة القرآن بكلام غير مفهوم، فاعلم أنه يستغيث بالجنِّي، وإذا أعطاك أشياء تدفنها في الأرض أو تُخفيها في المنزل، فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا رأيته يخبرك عن معلومات تخصُّك لا يعلمها غيرُك، فاعلم أنه يستعين بالجن.
فكُلُّ هذه الأمور تدلُّ على أن هذا الراقي إنما هو ساحرٌ، يتستَّر بقراءة القرآن أمام الناس؛ ولكنه في الحقيقة يستعين بالجن لعلاج مرضاه.
لقد كثر لجوء الناس إلى السحرة والمنجِّمين، وسهل الوصول إليهم بعد بفتح قنوات فضائية مُتخصِّصة بالشعوذة والسحر، مما أوقع كثيرًا من الناس في كبائر الذنوب، ومحبطات الأعمال.
فالذَّهاب إلى العرَّافين والمنجِّمين، وتصديقهم، والعمل بأقوالهم، هو قدح في توحيد الألوهيَّة؛ وإذا ذهب توحيد العبد، فماذا يبقى له من دينه؟
لذلك من خاف أن تحبط عنه حسناته يوم القيامة، فليتجنَّب الذَّهاب إلى العرَّافين أو الاتصال بهم، أو تصديق الأبراج والحظ المبثوثة في بعض المجلَّات والإنترنت، فإنها كلها من الكهانة والتنجيم.
وإنك ترى بعض المثقفين والصحفيين يذهبون إلى بعض العرَّافين يسألونهم عن المستقبل، وما سيجري من أحداث، ومن الذي سينتصر فيها، أو يطلبون منهم تحديد مَنْ سينتصر في المباراة الرياضية الفلانية، فكل ذلك استعانة بالكهَّان ويُحبط الأعمال، فقد جاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، قال: ((مَنْ أتَى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهِنًا يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))؛ رواه أبو يعلى والبيهقي.



شارك الخبر

المرئيات-١