أرشيف المقالات

عندما يتناقض بابا الفاتيكان.. بين ما يدعو إليه ويمارسه - ملفات متنوعة

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .


بدأ بابا الفاتيكان بنديكت 16 ، في النصف الأول من شهر جمادى الأولى 1430 هجرية زيارة للشرق شملت الأردن ، دعا فيها إلى حرية العقيدة بقوله إن "حرية العقيدة تعتبر أمرا أساسيا من حقوق الإنسان ".
وبقطع النظر عن دعوته لإحلال السلام بشكل عام ( هو بالقطع سلام الصهاينة ) متجنبا التفاصيل كعادة الغربيين عموما ، عندما يتطرقون للقضية ، دون الحديث عن الحقوق الفلسطينية ، كعودة المهجرين والقدس ، ولهذا سنتوقف كثيرا عند حرية العقيدة ، وحقوق الإنسان ، التي فشل في تقمص دور الدفاع عنهما ، وهناك شكوك مؤسسة على حقائق ، في مدى إيمانه الشخصي بهما.


زيارة مختلفة :
قبل الحديث عن زيارة بابا الفاتيكان إلى المشرق ، يجدر بنا العودة قليلا إلى الفاتيكان ، وإلى زيارته الأخيرة لبعض الدول الإفريقية ، فالرجل يعاني من عزلة داخل الفاتيكان ، وفي أحسن الأحوال هناك خلافات حادة بينه وبين عدد كبير من الكرادلة حول تصريحاته التي زعم فيها صحة نظرية داروين ، في أصل الأنواع ، وهو ما عده كثيرون داخل حظيرة الفاتيكان خروجا عن الدين ، وهرطقة ، وإلحاد .
وحاول الكاردينال بيرتوني التهوين مما يجري داخل الفاتيكان بوصف المناؤيين للبابا بأنهم " أصوات ناشز " وقد كانت زيارته لإفريقيا كما قيل ، فرارا من تلك العزلة أو القفص الذي وجد نفسه فيه داخل بيت الأسرار الاكليروسية، ولكنه سرعان ما وقع في مشكلة أخرى عندما صرح في إفريقيا بأن " الواقي الذكري لا ينفع ، ولا يقي من الأمراض الجنسية بما في ذلك مرض الإيدز "، وصدرت من مراكز مختلفة تهكمات قاسية ضد بابا الفاتيكان ، بل اتهامات خطيرة بأنه " وبعض القساوسة قد يكونون مصابين بأمراض جنسية " (..) وقد جر ذلك على بنديكت 16 الكثير من اللوم ، لأنه تحدث في غير اختصاصه ، ولم يستند في قوله إلى أي بحث علمي ، ولم يشر إلى أي نتائج مختبرية .
وكانت تلك سقطات لا تقل شناعة عن زعمه السابق أن " الإسلام انتشر بالسيف " وأنه لم يضف جديدا .
وقد كتبنا في حينه ما الجديد الذي جاء به الإسلام وفي مقدمة ذلك إعادة التوحيد إلى منابعه الصافية وتطهيره من شرك الإلوهية وشرك الربوبية وشرك الذات والصفات .
وزيارة بابا الفاتيكان إلى المنطقة ليست بعيدة عن محاولاته الهروب من مكان لم يعد الكثيرون يطيقونه فيه .
إلى جانب ما يمكن أن تجلبه له زيارة فلسطين من دعم ومساندة من قبل الطرف الصهيوني ، حيث دعا للمصالحة بين اليهود والنصارى ، ولم يتحدث عن المسلمين سوى بكلام لا يؤسس لمستقبل أفضل ، وركز جل كلامه عن العلاقات النصرانية اليهودية ، رغم أن اليهود يعتقدون بأن مريم عليها السلام زانية وابنها عيسى عليه السلام ابن زنا ، في حين يعتقد المسلمون بأن عيسى نبيا مرسلا وأمه مريم البتول أفضل نساء العالمين .
ولا نعرف بالضبط ما هي الأسباب التي تجعل النصارى يخطبون ود اليهود وهم يقولون كل ذلك عن عيسى وأمه ويكرهون المسلمين لأنهم يؤمنون بنبوة عيسى ويبرؤون أمه من إفك بني صهيون ؟!
 
معاناة المسلمين :
لقد دعا بابا الفاتيكان إلى احترام حرية العقيدة ، فهل احترم هو شخصيا ، والفاتيكان والكثير من حلفائه في اليمين المتطرف الأوروبي والغربي عموما حرية العقيدة ، واحترموا حقوق المسلمين؟ إذ إن ما يجري في أوربا ومواقف الفاتيكان لا تنبئ عن وجود احترام لحرية العقيدة ، ولا لحقوق المسلمين في ممارسة شعائر دينهم .
وسنؤجل الحديث عن التضييق على الحجاب في أوربا ، إلى مجالات أخرى كبناء المساجد ، وممارسة شعائر الصلاة .
فضلا عن أنواع الإيذاء الأخرى والتي تتشابه وتختلف من دولة أوروبية إلى أخرى .
ففي مقابلة نشرتها صحيحفة لا ريبوبليكا الايطالية في وقت سابق قال بطريرك البندقية الكاردينال أنجلو سكونا ، ردا على سؤال بخصوص بناء المساجد في ايطاليا " إلى جانب واجب الحكومة في ضمان الأمن القومي ( انظر ربط القضية بالأمن القومي مباشرة ) عليها التمييز بين الحقوق جيدا، بين الحقوق الأساسية والحقوق الأخرى ، أو التذرع بالحقوق " فهو لم يجب جوابا مباشرا على السؤال ، ويرى أن الحرية الدينية ليست من الحقوق الأساسية ، وأن تسمية ذلك بالحقوق مجرد تذرع بها !!
وبعد أن طلب من المسلمين التضحية بتعدد الزوجات في الغرب ، علق على سؤال بخصوص الحجاب قائلا " نفهم جميعا أنه من غير اللائق أن نخلق في أوربا مظاهر اجتماعية تنافر ثقافتها وتاريخها.
ووفق هذا المعيار تأتي نظرتي إلى الأمر " أي أنه يرفض الحرية الدينية رغم أن الحجاب لا يختلف كثيرا عن لباس الراهبات عنده في الكنيسة .
وكان الفاتيكان قد وصف الحرب التي شنت على الإسلام في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 م بأنها " حرب عالمية رابعة " وقال رئيس الكرسي الرسولي لشؤون القضاء الكاردينال ريناتو مارتينو " الحرب الباردة ضد الشيوعية كانت حربا عالمية ثالثة ونحن الآن نخوض حربا عالمية رابعة " وقد رأينا كيف شارك الغرب بأشكال مختلفة في هذه الحرب القائمة منذ 1430 عاما لكن أوارها ازداد في العقود الأخيرة ولاسيما في مطلع الألفية الثالثة .

أين الفاتيكان من الحرب على المساجد : يتحدث بنديكت 16 عن حرية المعتقد بينما تحارب المساجد في أوربا وتغلق ويمنع تشييدها وإذا سمح بذلك وضعت لها شروط ، كالبناء دون صومعة ودون وضع هلال عليها وغير ذلك؛ فقد قرر مجلس أساقفة ايطاليا في مارس الماضي إصدار وثيقة رسمية جديدة لمطالبة المجتمع والمؤسسات الايطالية بوقف بناء المساجد والمراكز الإسلامية ، زاعما أن ذلك يمثل تهديدا للثقافة المسيحية . وقال رئيس المجمع الكاردينال جوزيبي بيثوري في كلمة له أمام أعضاء المجمع " إن أي قرار من البلديات يمنح أماكن للمسلمين لبناء مساجدهم سيكون على حساب الدين الكاثوليكي والثقافة الايطالية " وحاول تخويف الايطاليين قائلا " إن الإسلام إذا استحوذ على مكان يكون من الصعب إبعاده "، بل حرض الايطاليين على الإسلام والمسلمين قائلا " على الايطاليين التكتل لمواجهة المد الإسلامي " واتهم عددا من رجال الدين الكاثوليك بالتساهل مع الإسلام والمسلمين .
ورغم وجود نحو مليون مسلم في ايطاليا ، كثير منهم ايطاليين بالوراثة فإن عدد المساجد لا يزيد عن الثمانمائة في البلاد كلها .
وكثيرا ما قامت الشرطة بإغلاق المساجد والمصليات كما حدث في أبريل الماضي ، إذ تم إغلاق مسجد مدينة بياتشيتسا بعد 4 أيام من افتتاحه بقرار من لجنة الأمن والنظام العام في قيادة شرطة المدينة .
ولم تبد السلطات أي أسباب مهما كانت لتبرير الإغلاق .
كما أغلق المركز الثقافي في مقاطعة ايميليارومانيا ،وقال عضو مجلس رابطة الشمال المتطرفة ، مارويتسو يارما " نستطيع العيش بدونه " أي المركز والمسجد .
وفي 13 يونيو الماضي عندما قامت قوات الأمن الايطالية في مدينة نريفيزو الايطالية الصناعية بمنع المسلمين من أداء الصلاة جماعة ، بقرار من عمدة البلدية .
وقامت الشرطة بتغريم كل من يحاول الصلاة بألف يورو وهو مبلغ كبير جدا نظرا لحالة المهاجرين الصعبة .
ووصل الأمر إلى المطالبة بإلقاء خطب الجمعة باللغة الايطالية .
وهي المطالبة التي رددها وزير خارجية ايطاليا ورئيس حزب ، التحالف القومي ، جان فرانكو فيني .
ولا يفوتنا في هذه العجالة ( الأمثلة لا تعد ولا تحصى ) ما قام به عضو مجلس الشيوخ الايطالي روبرتو كالديرولي الذي قام في وقت سابق بذبح خنزير في مكان كان مخصصا لإقامة مسجد .
وطالب بتنظيم يوم للخنازير ، يطوف بها في الأماكن التي ينوي المسلمون بناء مسجد فيها .
ولم يستنكر بابا الفاتيكان ولا الكنيسة الايطالية مثل التصرفات السابقة التي تعد بلا ريب ضد حرية المعتقد .
وفي سبتمبر الماضي وفي مدينة كولونيا الألمانية ، اتحدت الأحزاب اليمينية المقربة من الكنيسة ضد ما وصفوه بانتشار الإسلام في أوربا ، باسم الدفاع عن القيم المسيحية متناسين حرية المعتقد التي يتشدقون بها ، كل ذلك لأن المسلمين أرادوا أن يبنوا لهم مسجدا يتسع لنحو ألفي شخص ؛ فهناك ملايين المسلمين في ألمانيا ليس لديهم سوى 159 مسجدا .

وفي بريطانيا حذر أسقف مقاطعة روشستر مما وصفه بتراجع تأثير المسيحية أمام تقدم الإسلام ليملأ الفراغ الأخلاقي الذي بدأ في بريطانيا منذ عدة عقود .
وفي بريطانيا نفسها اعتبرت إحدى عضوات برلمان الكنيسة الانجليكانية ( سينود ) آليسون روف أن الخلافات بخصوص الشاذين جنسيا داخل الكنيسة وخارجها لا يعد شيئا مقارنة بما وصفته بتهديد الإسلام . وقالت لصحيفة تلي تلغراف " على الكنيسة أن تتجاوز خلافاتها وتركز جهودها على التصدي للإسلام في بريطانيا " ودعت إلى وقف بناء المساجد محذرة من انزلاق الكنيسة نفسها إلى الإسلام .
وأدت حملات التحريض تلك إلى زيادة العداء للإسلام والمسلمين فقد أظهر استطلاع أن نحو مليوني مسلم في بريطانيا يعانون من مشاعر العداء ضدهم ، والتي عبر عنها 51 في المائة من البريطانيين في نفس الاستطلاع .
وفي بلجيكا يشن اليميني المتطرف فيليب دي غنتر حملات مسعورة ضد حرية العقيدة ، إلى حد المطالبة بإغلاق أبواب أوربا نهائيا أمام المسلمين . وألف كتابا سماه " أسلمة أوربا إن شاء الله " ومما قاله في حوار مع إذاعة هولندا أن " الجالية الإسلامية في البلدان الأوروبية هي المشكلة الرئيسية التي تواجه هذه المجتمعات
" وفي دول أخرى حتى السويد تعشش فيها الاسلاموفوبيا .
 
ماذا ينتظر من بابا الفاتيكان ؟!
كان بابا الفاتيكان نفسه قد حذر الأوروبيين في خطاب سابق له من انحسار الهوية النصرانية في ظل انخفاض عدد المواليد وزيادة عدد المسلمين خاصة وأن الكنيسة تعاني من هجر الطقوس الكنسية وقلة المواليد وثقافة تجاوزت السيطرة على حد تعبيره .
وقال " إن مستقبل أوربا المسيحية كئيب وينذر بالخطر " ومع ذلك لم يخف هوس الكنيسة بتنصير " كل البشر " معتبرا ذلك " الواجب والحق الثابت " على حد تخرصه .
كما دعا الأمين العام للتحالف الانجيلي جودون شويل روجرز إلى " تنصير المسلمين في أوربا " ووزع التحالف الإنجيلي إمساكية لشهر رمضان عليها عبارات تنصيرية .
وعودة لبنديكت 16 ، الذي أعرب في الذكرى 60 لنكبة فلسطين عن شكره للرب لامتلاك اليهود "أرض أجدادهم"، وإذا كان بابا الفاتيكان يعتقد أن اغتصاب فلسطين ، هو عودة الأرض لأصحابها فماذا ينتظر منه ولماذا يراهن عليه أم هي خطة جديدة لاستغباء المسلمين والضحك عليهم باستمرار بتصويره داعية سلام وإمكانية مساهمته في استعادة بعض الحقوق الفلسطينية فضلا عن استرجاع فلسطين .

شهادة أوروبية :
لقد اعترف مكتب الاتحاد الأوروبي، المعني بمراقبة التميز وكراهية الأجانب ، بوجود مظاهر التميز على أساس ديني ضد المسلمين في أوربا . وقالت الدكتورة بياتا فينكلر " الكراهية وصلت إلى حد الاعتداء على المسلمين لفظيا وجسديا " وأن تلك الاعتداءات " تؤدي بهم إلى فقدان الأمل وإعاقة تحقيق منجزاتهم التعليمية والعلمية "؛ فماذا فعل بابا الفاتيكان والكنيسة لوقف ذلك ، أم أنه مسؤول بصفته وشخصه عن مساهمته بتصريحاته المختلفة وتصريحات القساوسة والكرادلة والبطاركة في ذلك . وقال جوزيف دي فت ، مدير مركز المساواة ومكافحة العنصرية الأوروبي ، العنصرية ضد المسلمين زادت ثلاثة أضعاف ، وقال في تقرير بهذا الخصوص " هذه المظاهر تلاحظ في وسائل النقل وأماكن العمل وفي الشارع " .
وإذا كانت حرية التعبير مكفولة للجميع ، فلماذا تنص قوانين الكثير من الدول الأوروبية بما في ذلك ايطاليا على تجريم من ينتقد بابا الفاتيكان .
فيما يعتبر التخرص ضد الإسلام حرية تعبير ؟! وتعرض الممثلة صابينا غوستانتي للمحاكمة بسبب انتقادها لبابا الفاتيكان؛ فأين حرية التعبير وأين حرية المعتقد أيها البابوي غير المقدس .

16/5/1430 هـ
 

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢