عنوان الفتوى : لا يحكم بالتكفير ما لم يتضح الأمر كوضوح الشمس
قرأت لكم في الفتوى رقم 132980 ما نصه: ((فعلى المسلم إذا رأى شيئا ملقى فيه ذكر الله وتيسر له رفعه دون مشقة أن يرفعه، ثم يتخلص منه إن أراد بالحرق أو الفرم ونحو ذلك، فإذا تكاسل المسلم عن ذلك مع تيسره فإنه يأثم بلا شك لعدم تغييره لهذا المنكر العظيم، ويتكرر الإثم بتكرر الترك إلا أنه لا يكفر بمجرد ذلك ما لم يكن على سبيل الاستهزاء والإهانة ...))، فهنا قلتم يأثم ويتكرر الإثم بتكرر الترك إلا أنه لا يكفر بمجرد ذلك، وفي فتاوى أخرى مثل: 1064، 68289، 73022، 39180 قلتم بأنه يكفر بتركه لها إذا كان قادرا على رفعها لأن (الدوام كالابتداء وبها قال الدردير في شرحه على مختصر خليل في بيان أمور الردة). فأيهما أصح؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تعارض بين هذه الفتاوى بفضل الله تعالى، فإن ذكر قولٍ لبعض أهل العلم لا يعني ترجيحه، خاصة في مثل هذه المسألة التي يراد فيها التنبيه على خطورة الأمر والترهيب من هذا الفعل.
وبيان ذلك أن المستفتي عندما يسأل عن حكم هذا الفعل دون التعرض للسؤال عن خصوص الحكم بكفر صاحبه، فمن المستحسن أن يُبيَّن له الحكم، ويزاد على ذلك التنبيه على خطورة الأمر بذكر من شدد في ذلك من أهل العلم، ولذلك يجد السائل الكريم في الفتاوى التي أشار إليها قولنا: (فالموضوع خطير جدا). وقولنا: (والأمر جد خطير) مع نسبة القول بالكفر بذلك مطلقا دون تقييد لبعض أهل العلم، دون أن نرجحه أو نختاره، كما في الفتاوى التالية أرقامها: 1064، 73022، 39180. وقد ننبه على قيد الاستهزاء أو الإهانة، دون أن يسأل عنه السائل؛ زيادة في الفائدة وتحريا للدقة، كما في الفتوى رقم: 40592، ففيها: (من فعل ذلك بقصد الاستهزاء أو الإهانة فقد كفر).
وأما إذا تعرض السائل خلال سؤال للحكم بالكفر على فاعل ذلك، فإنه يلزم بيان القيد المذكور، ولذلك يجد السائل في الفتوى رقم: 68289: (ومن تعمد رمي ما فيه ذلك وقصد الاستهزاء به أو احتقاره فهو مرتد). وذلك أن السائل قال: (وهل من الكفر تجاهل الصحف البعيدة ؟) وكذلك الحال في الفتوى رقم: 132980، حيث كان السؤال: (قرأت أن من وجد ورقة فيها آية وتركها مهانة في الشارع تحت الأقدام فإنه يكفر بذلك ..) فلزم أن تنص الفتوى على هذا القيد، وكان ذلك بقولنا: (إلا أنه لا يكفر بمجرد ذلك ما لم يكن على سبيل الاستهزاء والإهانة).
وهنا تنبيه آخر مهم، وهو أن الحكم على العمل بأنه كفري لا يعني بالضرورة أن صاحبه كافر، ولذلك يجد السائل في الفتوى رقم: 22913 : (فِعْل ذلك عمدا واستهانة عمل كفري) وفي الفتوى رقم: 73022 : (من فعل ذلك متعمدا عالما فقد عمل عملا من أعمال الكفر). وفي مثل هذه العبارات تحفظ واضح؛ للتفريق بين الفعل والفاعل، فإن الحكم بالكفر ليس بالأمر الهين، وليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وقد سبق لنا بيان ذلك مع بيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأن من ثبت إسلامه بيقين فلا يزول إسلامه بالشك، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 721 ، 106396 ، 53835 .
والله أعلم.