عنوان الفتوى : كيفية الطهارة إذا كسر أصبع فوضعت جبيرة إلى منتصف الذراع
شيخنا، كسر أصبعي فوضعوا لي جبيرة إلى نصف يدي، وكنت على جنابة فهل أتيمم لأصلي أم كيف أعمل وهل أغتسل ويدي مجبرة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب عليك إذا أردت الوضوء أو الغسل هو أن تغسلي الصحيح من أعضاء الطهارة، فتغسلين جميع بدنك في الغسل سوى موضع الجبيرة، وفي الوضوء تغسلين أعضاء الوضوء سوى موضع الجبيرة، وتمسحين على الجبيرة وتعممينها بالمسح، ويجزئك ذلك في طهارتك، ولا يلزمك شيء أكثر من هذا، لكن إذا كنت قد وضعت الجبيرة على أكثر من الموضع الذي يحتاج إليه في شدها فإنه يلزمك نقضها ثم وضعها على قدر الحاجة، وهذا إن كنت لا تتضررين بالنقض وإلا فإن عليك مع غسل الصحيح من أعضاء الطهارة والمسح على الجبيرة أن تتيممي لأجل هذا الموضع الزائد الذي شدت عليه الجبيرة، هذا إن خفت الضرر بنزعها وإعادة شدها على موضع الكسر وما احتيج إليه فقط. فإن لم تخشي الضرر بإعادة الشد وجب عليك ذلك ولم يجز لك المسح عليها، وسهل بعض العلماء في هذا الأمر فرأى جواز المسح على الجبيرة وعدم لزوم التيمم وإن شدت على أكثر من موضع الحاجة لرفع الحرج والمشقة، والأحوط هو ما قدمناه، ثم إن كنت قد وضعت هذه الجبيرة على غير طهارة فإن الراجح أن المسح عليها يجزئك ولا يلزمك التيمم مع المسح عليها، وأوجبه كثير من العلماء فإن تيممت احتياطا وخروجا من خلاف من أوجب ذلك كان ذلك أولى، ولمزيد من البيان نقول إن المسح على الجبائر مشروع في قول جماهير العلماء. وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه خرجت بأصبعه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها. ولا يعرف له مخالف من الصحابة، وفيه حديث جابر في قصة صاحب الشجة الذي اغتسل من جرحه فمات فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكفيه أن يمسح على جرحه بعد أن يعصب عليه عصابة، وفي الحديث مقال مشهور للمحدثين ولكن ذهب جمع منهم إلى تقويته بمجموع طرقه.
قال الشوكاني في أثناء شرحه لحديث جابر المشار إليه: ويدل الحديث أيضا على وجوب المسح على الجبائر ومثله حديث علي عليه السلام قال : ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسح على الجبائر ) وقد اتفق الحفاظ على ضعفه وقد ذهب إلى وجوب المسح على الجبائر المؤيد بالله والهادي في أحد قوليه.
وروي عن أبي حنيفة والفقهاء السبعة فمن بعدهم، وبه قال الشافعي لكن بشرط أن توضع على طهر [ ص 324 ] وأن لا يكون تحتها من الصحيح إلا ما لا بد منه، والمسح المذكور عندهم يكون بالماء لا بالتراب.
وذهب أبو العباس وأبو طالب وهو أحد قولي الهادي وروي عن أبي حنيفة أنه لا يمسح بل يسقط كعبادة تعذرت، ولأن الجبيرة كعضو آخر وآية الوضوء لم تتناول ذلك، واعتذروا عن حديث جابر وعلي بالمقال الذي فيهما وقد تعاضدت طرق حديث جابر فصلح للاحتجاج به على المطلوب وقوي بحديث علي. انتهى.
فإذا تبين لك هذا فاعلمي أن شرط إجزاء المسح على الجبيرة هو أن تشد على الموضع المكسور وما قاربه بحيث يحتاج إليه في شدها كما قدمنا، فإذا شدت الجبيرة على أكثر من موضع الحاجة وجب نزعها لغسل ما تحتها من العضو الصحيح، فإن تعذر نزعها وخشي حصول ضرر به فإنه يمسح عليها ويتيمم، وفي وجه عند الحنابلة أنها تمسح وما شدت عليه وإن زاد على موضع الحاجة لأجل المشقة ورفع الحرج الحاصل بذلك وبهذا قال المالكية والحنفية كما في الموسوعة الفقهية، والقول الأول هو الأحوط.
جاء في الروض مع حاشيته لابن قاسم: (و) يمسح على (جبيرة) مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما (لم تتجاوز قدر الحاجة) وهو موضع الجرح والكسر وما قرب منه بحيث يحتاج إليه في شدها، فإن تعدى شدها محل الحاجة نزعها فإن خشي تلفا أو ضررا تيمم لزائد، وفيه وجه يجزئ المسح على الزائد، اختاره الخلال وغيره، لأنه قد صارت ضرورة عليه، أشبهت موضع الكسر، وسهل فيه أحمد، لأنه مما لا ينضبط وهو شديد جدا، فلا بأس كيفما شدها. انتهى.
وعند أكثر العلماء شد الجبيرة على طهارة من شروط إجزاء المسح عليها، وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط شدها على طهارة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وصوبه في الإنصاف.
قال في حاشية الروض: وعنه –أي عن أحمد- ليس بشرط –أي شد الجبيرة على طهارة- اختاره جمع منهم الشيخ، ومال إليه الموفق والشارح والمجد، وصوبه في الإنصاف وغيره لحديث صاحب الشجة وغيره، ولأن اشتراط الطهارة يشق، لأن الجرح يقع فجأة، أو في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه، فلو اشترطت الطهارة والحالة هذه لأفضي إلى الحرج والمشقة، وهما منتفيان شرعا. انتهى.
وبما مر من كلام العلماء يتبين لك ما يلزمك في الحال المسؤول عنها وهو ما صدرنا به هذه الفتوى.
والله أعلم.