عنوان الفتوى : حكم الصدقة إذا كانت بسيف الحياء
هناك من يقمن بحث صديقاتهن أو جاراتهن على الصدقة بالغصب أو بالمخاجلة، مثلا يقمن بعمل طبق حلو واحد وعلى كل الحاضرات شراء الطبق كاملا في كل مرة بمبلغ معين إجباري، ويقلن إن ما يؤخذ منك من مال حتى بالغصب تؤجرين عليه. فهل هذا صحيح؟ مع العلم أن بعض الأخوات تضطر للشراء مكرهة وبعدم رضا من زوجها. هل هذا العمل يندرج تحت مقولة ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام ؟ الرجاء توضيح ذلك وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن ذلك يندرج تحت هذه المقولة الصحيحة، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في أيام التشريق فقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه.. ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا؛ إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
وفي المعيار المعرب لفتاوى علماء الأندلس والمغرب: قال الفقهاء في الصدقة إذا طلبت من المتصدق وفهم من حاله أنه أعطاها حياء وخجلا أو غير طيّب النفس، أنها لا تحل للمتصدق عليه. اهـ.
ونقل ذلك ابن عليش في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك عن ابن لب الأندلسي.
وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: ألا ترى إلى حكاية الإجماع على أن من أخذ منه شيء على سبيل الحياء من غير رضا منه بذلك لا يملكه الآخذ، وعللوه بأن فيه إكراها بسيف الحياء، فهو كالإكراه بالسيف الحسي. اهـ.
وقال في موضع آخر: قد صرح الأئمة في المهدِي حياء, ولولا الحياء لما أهدى، أو خوف المذمة، ولولا خوفها لما أهدى, بأنه يحرم أكل هديته؛ لأنه لم يسمح بها في الحقيقة, وكل ما قامت القرينة الظاهرة على أن مالكه لا يسمح به لا يحل تناوله. اهـ.
ونص الشهاب القليوبي في حاشيته على شرح الجلال المحلي على منهاج الطالبين أن الهدايا لخوف أو حياء لها حكم الغصب. اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: قال ابن الجوزي في المنهاج: وإن أخذ ممن يعلم أنه إنما أعطاه حياء لم يجز الأخذ، ويجب رده إلى صاحبه. اهـ.
وقد قسم ابن القيم في مدارج السالكين محرمات الطعام إلى نوعين: محرمات لحق الله كالميتة والدم ولحم الخنزير.. ومحرمات لحق العباد كالمسروق والمغصوب والمنهوب وما أخذ بغير رضا صاحبه إما قهرا وإما حياء وتذمما. اهـ.
وقال مرعي بن يوسف الحنبلي في دليل الطالب: إن علم أنه أهدي حياء وجب الرد. اهـ.
وكذا قال البعلي في كشف المخدرات. والبهوتي في شرح منتهى الإرادات والرحيباني في مطالب أولي النهى وابن ضويان في منار السبيل، ونقلوا عن ابن الجوزي استحسان ذلك وقوله: لأن المقاصد في العقود عندنا معتبرة. اهـ.
وقال الشيخ السعدي في كتاب القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة: القاعدة الثانية: الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون. وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح. ويتفرع عليها أن توابع الأعمال ومكمّلاتها تابعة لها. اهـ.
ثم قال: ومن فروعها أن من أهدى حياءا أو خوفا وجب على المُهْدى إليه الرد أو يعوضه عنها. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقيهة: من أنواع السحت ما أخذ بالحياء وليس عن طيب نفس، كمن يطلب من غيره مالا بحضرة الناس فيدفع إليه الشخص بباعث الحياء والقهر. اهـ.
وجاء في موضع آخر: صرح الشافعية والحنابلة أنه إذا أخذ مال غيره بالحياء كأن يسأل غيره مالا في ملأ فدفعه إليه بباعث الحياء فقط، أو أهدي إليه حياء هدية يعلم المهدى له أن المهدي أهدى إليه حياء، لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه، وإن لم يحصل طلب من الآخذ، فالمدار مجرد العلم بأن صاحب المال دفعه إليه حياء. اهـ.
ويزيد الأمر سوءا إن حصل ذلك من مال الزوج بغير رضاه فإنه لا يجوز للمرأة أن تعطي شيئاً من مال زوجها لأحد إلا بإذنه، ولو كان ذلك على وجه الصدقة، كما سبق بيانه في الفتوى: 31100.
وينبغي أن يكون التعاون على الصدقة وأنواع البر بالترغيب فيها والحث عليها وليس بهذه الطريقة فإن الغاية الحسنة لا تبرر الوسيلة السيئة، والقاعدة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وقد سبقت فتوى في بيان هذه القاعدة برقم: 50387.
والله أعلم.