عنوان الفتوى : ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في غير أهلها
أنا كنت أعمل في إحدى مراكز تحفيظ القرآن الكريم وجاءني مرة مبلغ تبرع للمركز ولكني أخطأت في حسابات المركز الشهرية، فقمت بسد العجز من هذا المبلغ على نية سداده في نفس الفترة ولكن حصلت ظروف لم تمكني من السداد، حدث هذا الأمر منذ خمس سنوات وأنا الآن أريد تسديد المبلغ فماذا علي؟ وهل علي إثم بسبب السنوات التي حرمت فيها صاحبة التبرع من أجرها؟ وهل علي كفارة؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبه السائلة الكريمة على أمرين:
الأول: أن القائم على حسابات هذا المركز مؤتمن، والمؤتمن لا يضمن إلا إن فرط أو تعدى، وعلى ذلك فلا يلزمك دفع العجز المذكور ما لم تكوني تعديت بأخذه، أو فرطت في حفظه، وقد سبق تفصيل هذا المعنى في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 97723، 120814، 93487.
الثاني: أن القائمين على الأعمال الخيرية بصفة عامة، يعدون وكلاء عن المتصدقين والمتبرعين، والوكيل يلزمه أن يتصرف حسب مراد موكله، ولا يحق له مخالفته، وإلا كان ذلك تعدياً منه، يضمن بسببه أموال موكله، كما سبق التنبيه عليه في عدة فتاوى منها الفتويين: 99802، 129509.
وعلى ذلك فينبغي أن ينظر، فإن كان يلزمك ضمان العجز بالتفريط أو التعدي، فلم يكن يصلح على أية حال أخذ هذا المبلغ لسداده، ويجب عليك رد مثله إلى ميزانية المركز من مالك الخاص مع التوبة إلى الله تعالى، وإن لم يكن يلزمك الضمان لعدم التفريط والتعدي فينظر في مبلغ التبرع المذكور، هل تبرعت به صاحبته لعمل معين من أعمال المركز كصيانة مرافقه، أو مكافأة طلابه، أو رواتب مدرسيه ونحو ذلك من الأعمال المعينة، فيجب صرفه في ذلك فإن لم يحصل لزمك رد مثله وإنفاقه في هذا العمل المعين، مع التوبة إلى الله تعالى.
وأما كانت صاحبته تبرعت به لنفع المركز بأي وجه كان، فوضعه عندئذ في ميزانية المركز بدلاً من العجز في الحسابات يجزئ عن ذلك.
أما مسألة ثواب المتبرعة بالمبلغ، وهل ستحرم منه طيلة هذه السنوات، فالصواب أن ثوابها محفوظ على بذلها، وأجرها على قدر نيتها، فقد روى البخاري عن معن بن يزيد رضي الله عنه قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن.
قال ابن حجر في الفتح: فيه أن للمتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أو لا. انتهى.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته.
وقد بوب عليه النووي باب: ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في غير أهلها. انتهى.
وقال ابن حجر: فيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع. انتهى.
والله أعلم.