عنوان الفتوى : التعارف بين الجنسين يجر إلى ما لا تحمد عقباه

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

لقد وثقت بكم وأعجبت بموقعكم مما دفعني أن أستشيركم بغلط ارتكبته ونادمة عليه أشد الندم، ففي الحقيقة أنا فتاة عمري 17 وملتزمة ـ والحمد لله ـ أصلي وأصوم ولباسي محتشم وأبي شيخ معروف في البلد، وليست لي علاقات مع شباب أبداً، مع أنني محط أنظار الجميع، ولكن أحدهم قد أحبني منذ 5 سنوات وهو ما زال إلى هذه اللحظة يحبني، في البداية حاول التقرب مني، ولكنني رفضت وأبعدته عني خوفا من أن يكون كباقي الشباب المعروفين بقلة الحياء والكذب ـ مع العلم أنني أعيش في بلدة والناس يعرف بعضهم بعضا ـ ولكن كان يصلني منه كل فترة كلام عن طريق إحداهن بأنه يحبني وسيظل يحبني إلى آخر عمره، مرت الأيام وبدأت أشعر بالذنب تجاهه، وبدأ يجول في خاطري أن أتواصل معه، ولكن في حدود شرع الله أي فقط نكتفي بسلام وكم قليل من الكلام، وفعلا: تم ذلك وتعرفت عليه، امتدت مكالماتنا نحو شهر، مع أنني بعد كل هاتف أطلب منه أن نوقف تلك المكالمات، وقد أشعرته بأنني لست راضية عما يجري بيننا مما زاد إعجابه بي، حتى جاء العيد، وعيدت له بأغنية غنيتها له وندمت عليها كثيراً، مع أنه أوضح لي بأن الأمر عادي، وأنا أعرف أنه يكذب علي، ولكني بدأت بشتم نفسي ونعتها بأسوإ الألفاظ فبقي صامتا، ولكنه قال لي بأنني أحمل الموضوع أكثر من قيمته، المهم لا أدري، ما الذي جعلني أيضا أطلب منه أن يرسل لي صورة على جوالي؟ وفعلا أرسلها وطلب مني صورة لي فعارضت في البداية، ولكنني أرسلت له صورة وأنا غير متحجبة ولم يبدو فيها سوى شعري ورأسي، وأعرف أنني غلطت وفعلت حراما فتوضأت وصليت ركعتين وتبت فوراً من كل قلبي ودعوت ربي أن يستر غلطتي وجعلته يمحوها فورا، وحلّفته أن يمحوها وقد محاها فعلا، وبعدها قطعت كل الصلات وبقي يحبني ولم يتغير شيء ـ مع أنني اختبرته أكثر من مائة مرة، وتبين لي أنه ابن حلال، وأنه على ثقافة واسعة في الدين ـ ولكنه لم يبتزني بها، مع أنني قطعت الصلة معه وهو غير راض، ولكن قال في النهاية أنني مهما عذبته وقسوت عليه لن يتغير أبداً، مع أنه كان غاضبا، ومع ذلك لم يهددني بها، واعترف لي في النهاية بأنه على يقين بأن ما نفعله ـ أنا وهوـ يغضب الرب وبدا متأسفا، ولكن خوفي أكثر من أن يتم زواج بيننا ويذكرني بها في يوم من الأيام، مع أنني قلت له بأنني نادمة عليها، وخائفة مما ذكرته لكم بعد الزواج، فغضب مني وقال بأني أسيء الظن به وخائفة أيضا من أن ـ كما يقولون ـ أسقط من عينه ويعتبرني غير مؤدبة، ويعتقد أنني أكذب عليه بالتزامي وديني، مع أنه أدرى الناس بي، ولكن لا أدري تلك غلطتي وأريد رأيكم، وأريد أن أعرف، هل فعلتي شوهت صورتي عنده؟ مع أنني والله خائفة من عذاب ربي ـ وهو يعرف هذا الكلام ـ وفي آخر حديث جرى بيننا سألته سؤالا وطلبت منه أن يجيبني عليه بكل صراحة، سألته: كيف وجدتني بعد هذه العشرة؟ فصمت وقال: لا يمكنني أن أطلق عليك سوى لقب الفتاة المؤدبة التي لا يوجد مثلها في هذه الأيام سوى القليل، وليس الأدب فقط ما يميزك، بل أخلاقك وثقافتك الواسعة في الدين وبراءتك، فهذا رأيه فيّ، فما رأيكم أنتم؟ أرجوكم أن تريحوني والله إنني قطعت كل الصلات معه.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه أن يغفر لك ما كان منك من زلل في علاقتك بهذا الشاب، وأن يثبت أقدامك على طريق التوبة إنه سبحانه كريم، ونذكرك ـ بعد التوبة ـ بالإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة، فإن الله يكفر بها السيئات ويمحو بها الخطيئات، قال سبحانه وتعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}.

 وفي صحيح الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. حسنه الألباني.

وننبه على أن من أسباب هذا الزلل الجهل بأحكام الدين، ذلك أنك قد أقدمت على هذه العلاقة ظنا منك أن التعارف بين الفتاة والرجل الأجنبي جائز إذا كان في حدود السلام والكلام المعروف في أضيق الحدود، وهذا ظن خاطئ قطعاً، لأن هذه العلاقة تجر إلى ما لا تحمد عقباه، وقد وصلت في حالتك إلى أن أرسلت له صورتك وغنيت له أغنية، ولا يخفى أن هذا حرام، والأصل أن كل علاقة بين رجل وامرأة أجنبية هي علاقة غير مشروعة ما لم توجد حاجة أو ضرورة فحينئذ يباح الكلام بالمعروف بقدر هذه الحاجة، وليس من الحاجة المشروعة ما يسمى: بالتعارف بين الجنسين، وقد بينا هذا مفصلاًُ في الفتاوى التالية أرقامها: 6158، 8768، 9431.

أما ما تسألين عنه من نزول قدرك عنده بسبب ما كان منك، فهذا مما ينبغي أن لا تشغلي نفسك به، فما دمت قد تبت إلى الله سبحانه من علاقتك هذه، وقطعت الصلة به فلا تنشغلي بأمره، وليكن همك كله إرضاء ربك والتوبة إليه والمحافظة على قدرك عنده وحده سبحانه، فهذه أمارات التوبة الصادقة، وقد قال الحارث بن أسد المحاسبي ـ رحمه الله: الصادق: هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله. انتهى.

واعلمي أنك إن اتقيت الله كفاك أمر الناس، فإن تقدم لك هذا الشاب للزواج وكنت تتوسمين فيه الخير في دينه وخلقه فلا حرج عليك في الزواج منه بعد الاستخارة.

والله أعلم.