عنوان الفتوى : يوسوس له أنه أتى بناقض من نواقض الإسلام
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على رحمة الله للعالمين. سيدي، أنا شخص كنت أعاني من وسواس لعدة سنوات، لكن والحمد لله عافاني الله منه، وقد كان موقعكم هذا من بين أسباب علاجي، فجزاكم الله خيرا. أما بالنسبة لسؤال الحالي : فطوال حياتي، وحتى مع الوسواس، لم أكن أعلم أن للإسلام نواقض، وكنت كلما رأيت الكفار أقول في نفسي : الحمد لله أنني مسلم وسأموت على الإسلام. حتى أهداني صديق لي قرص -سي دي- بعنوان : شرح نواقض الإسلام. للشيخ صالح الفوزان، في البداية لم أعر الموضوع اهتماما ظنا مني أنه موضوع يتعلق بمن يزورون الأضرحة مثلا، لكن عندما بدأت أسمعه فهمت أنه شرح لكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأنه ذكر فيه عشرة نواقض باعتبارها هي أكثر ما يقع فيه المسلمون، وذكر الشيخ الفوزان أن هناك ربما أربعمائة ناقض للشهادتين، فأصبت برعب : هذا يعني أنني قد أموت، والعياذ بالله، على غير الإسلام فأكون من الخاسرين، لأنه قد يصدر مني -أو ربما صدر مني خصوصا عندما كنت أعاني من الوسواس- شيء لا أعلمه ويكون من هذه النواقض، حتى أنني أكاد في بعض الأحيان أسأل ربي أن أموت على الإسلام حتى ولو دخلت النار، المهم أن لا أخلد فيها، لكني أرجع وأقول "لا طاقة لي على عذاب ربي، أسأل الله العافية". لكني علمت فيما بعد أن الجهل من الأعذار، ورغم ذلك لم أطمأن. ومما زاد مخاوفي أنني قرأت على موقعكم هذا في فتوى تتعلق بالأوراق التي تحمل اسما من أسماء الله تعالى أو آية أو حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكرتم في هذه الفتوى: أن بعض أهل العلم نص على أن من رأى اسما من أسماء الله تعالى أو آية أو حديث للنبي صلى الله عليه وسلم في مكان به قاذورات، من رآها ولم يستخرجها يكون بتركه لها قد خرج من ملة الإسلام. فأصبحت كلما رأيت ورقا مرميا على الأرض أقول: إن تركته ولم أبحث هل به اسم من أسماء الله تعالى، سأكون قد خرجت من ملة الإسلام. فأرجو أن يتسع صدركم لي وتجيبوني : -إن كنت قد وقعت في ناقض من نواقض الشهادتين من قبل ولست أدري، ولا أتذكره، هل علي أن أحاول تذكر ما صدر مني؟ أنا أفعل ذلك أحيانا لكني لا أكون متأكدا أنني مثلا قلت كذا وكذا مما لا يجوز قوله، فهل أبني على أنني قلته أم ماذا، علما أنني متزوج؟ -بالنسبة للفتوى التي ذكرت لكم : أن بعض أهل العلم نص على أنه من رأى اسما من أسماء الله تعالى أو آية أو حديث .. ما مدى صحتها؟ وكيف يمكنني أن لا أقع في ذلك وكلما نظرت رأيت ورقا، أعلم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، لكن ذلك يؤرقني، إذ كلما رأيت ورقا : أقول في نفسي بوسعي أن ألتقطه وأنظر ما به، فإن لم أفعل، يأتيني هاجس بعذ ذلك يقول لي : أنت قد خرجت من الإسلام. فهل يجب علي كلما رأيت ورقا مرميا على الأرض أو ورقا ملقى في سلة المهملات أو القاذورات، هل يجب علي أن أبحث فيه إن كان به من أسماء الله تعالى أو آية او حديث شريف؟ علما أن ذلك كثير ويتعبني، حتى أن بعض الأصدقاء وصفوني بالحمق إذ أنني كلما رأيت ورقا التقطته.. -بجانب مسكني سوق خضار، والبائعون يستعملون الجرائد لفرش خضرهم، وكما تعلمون الجرائد لا تخلو من اسم من أسماء الله تعالى أو آية أو حديث، فأنا كلما سنحت لي الفرصة أنصحهم أو أنصح أحدهم فمنهم من يستجيب ومنهم من لا يستجيب، وأحيانا في نهاية اليوم أقوم بجولة في أرجاء السوق بعد أن ينتهوا من البيع وأقوم بجمع ما أستطيع من جرائد تبين لي أن به اسما من أسماء الله وأمزقها قطعا صغيرة حيث أنني لا أستطيع جمعها كلها أو حرقها، فهي كثيرة جدا. لكن لا أفعل ذلك دائما، فهل كلما نظرت من النافذة ورأيت الجرائد علي الخروج وتفحصها للتأكد من خلوها من اسم الله؟ أم أن نصحي لهم يبرئ ذمتي أمام الله؟ وهل إذا لم أقم بجمع تلك الجرائد والتخلص منها بالحرق أو غيره أكون قد خرجت من الإسلام؟ -بالنسبة لأسماء أشخاص مثل : عبد الله، عبد الكريم، محمد و أحمد... هل لها نفس حرمة إسم الجلالة منفردا؟ - إذا رأيت شخصا، مثلا، يلف سلعة في جريدة، ولم أنصحه، هل علي وزر كما لو أنني رأيت اسم الله في قاذورات ولم أستخرجه؟ (فأنا أحيانا أنصح وأحيانا لا) - عملي هو أنني أحرر رسائل وكتب إدارية، وأحيانا يطلب مني رئيس العمل أن أحرر رسالة بتاريخ قديم (تاريخ الأمس مثلا)،(هذا الأمر عادي جدا عندهم) أنا أترك له مكان التاريخ فارغا. سؤالي هو : هل إذا أطعته أكون قد أشركت بالله وخرجت من ملة الإسلام؟(ليس في نيتي طاعته لكني أريد أن أعلم الحكم كما أريد منكم نصيحة في هذا الموضوع) -إذا كان ممكنا أن تذكروا لي باختصار نواقض الشهادتين؟ أرجوكم أفيدوني، فكل ما ذكرت لكم يؤرقني كثيرا حتى أنه أثر على صحتي النفسية والجسدية ويكاد يؤثر على علاقتي بزوجتي، ماذا أفعل لأمشي وأنا مطمئن أنني مسلم؟ اعذروني على الإطالة ولا تنسوني من صالح دعائكم وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فواضح جدا أيها الأخ الكريم أنك تعاني من الوسوسة، فنسأل الله الكريم أن يشفيك مما تعانيه من الوسواس، وأن يتوفاك على الإسلام.
ونصيحتنا أن تعرض عن الوساوس بالكلية .
واعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يتوعد إلا الجريء على معصيته، وأنه لا يكفُر إلا الذي يعتقد اعتقادا مكفرا أو الذي يقول أو يفعل مكفرًا، مع كونه عالمًا بكون هذا الاعتقاد أو القول أو الفعل من أعمال الكفر وكذلك حال كونه عامدًا. وأما الغافل أو الناسي أو المخطئ فإن الله سبحانه يتجاوز عنهم، وانظر الفتوى رقم: 8106.
وطالما أنك لا تعلم من نفسك أنك فعلت ناقضًا من نواقض الإسلام فإنك على أصل التوحيد، فلا تلتفت لتلك الوساوس أبدًا، ولكن عليك أن تكثر من ذكر الله تعالى ومن الاستغفار كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يستغفر الله في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وقد روى أبوداود في سننه بإسناده إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. كما نوصيك بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال لأُبي بن كعب لما قال له: أجعلُ لك صلاتي كلها يا رسول الله؟ فقال: إذن تُكفى همَك ويُغفر ذنبُك. رواه الترمذي. وانظر الفتوى رقم: 16790.
هذا، ويجب أن تصان الأوراق التي فيها اسم الله تعالى أو قرآن أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك عن الامتهان وذلك إذا علم بوجودها وكان قادرًا على صيانتها؛ فإن أهل العلم ينصون على أن من ترك استخراج ما فيه ذكر لله ونحوه مما هو محل تعظيم في الشريعة من أماكن القاذورات مع القدرة على ذلك فإنه يكفر.
وقد ذكر الشيخ الدردير رحمه الله تعالى إن من موجبات الردة: إلقاء مصحف بقَذَر- ولو طاهرًا- كبصاق، أو تلطيخه به، والمراد بالمصحف ما فيه قرآنٌ ولو كلمة، ومثل ذلك تركُه به أي عدم رفعه إن وجَدَه به؛ لأن الدوام كالابتداء، فأراد بالفعل ما يشمل الترك إذ هو فعلٌ نفسي. ومثلُ القرآن أسماءُ الله وأسماء الأنبياء وكذا الحديث كما هو ظاهر. وحرق ما ذُكر إن كان على وجه الاستخفاف فكذلك، وإن كان على وجه صيانته فلا ضرر بل ربما وجب، وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة فكذلك، وإلا فلا. اهـ.
وقولهم إن هذا الفعل يعتبر كفرا إنما هو في الجملة، وليس معناه أن كل من صدر منه يعتبر كافرا بالمرة بل لا بد من إقامة الحجة عليه كما سبق في الفتوى رقم: 721. وغيرها من الفتاوى المتعلقة بالتكفير.
وتأسيسًا على ما سبق: فإن صادفت ورقًا ممتهنا مرقومًا به شيء مما سبقت الإشارة إليه فعليك أن تصونه عن الامتهان بحرقه أو دفنه أو ما أشبه ذلك. ولكن ننبهك على أمر هو أنه لا يجب عليك أن تذهب لتفتش في الأوراق التي تجدها في الطرقات لتتأكد من خلوها من اسم لله تعالى ثم تجمع ما وجدته منها لتتلفه؛ فإنك غير مكلف بذلك، ولما فيه من الحرج والمشقة المنفيين في الشريعة الإسلامية السَّمْحة، خاصة بعد أن عمت البلوى بأوراق الصحف، قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ. {المائدة: 6}، وقال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. {الحج 78}. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا حل لمشكلة أوراق الصحف المبعثرة إلا بتجاهلها وغض البصر عنها مع نشر الوعي الإسلامي في المجتمع حتى يتعاون الجميع على احترام ما عظمته الشريعة، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 50107، 68289.
وبالنسبة إلى الباعة: فلا يجب عليك إلا أن تحذرهم من استخدام أوراق الصحف التي قد تشتمل على كلام محترم، ولا يجب عليك أكثر من ذلك، ولا يضرك عملُهم إذا لم يمتثلوا.
هذا، ولتعلم أن المنع من إهانة أسماء الأنبياء أو الملائكة لا يشمل مَن تَسمى بأسمائهم من سائر الناس بل هو مكروه، وانظر الفتويين: 40740، 110857.
وأما الأسماء المركبة المعبَّدة لله تعالى فإن لها نفس حرمة اسمه تعالى لاشتمالها عليه.
وأما بالنسبة لما تحرره من كتب إدارية، فيجب عليك أن لا تشارك في منكر وأن لا تعين عليه، وإذا اقتصر الكذب في تلك الكتب على تواريخ إنشائها، وتركت إثبات التاريخ لرئيسك في العمل فلاشيء عليك إن شاء الله.
واعلم أن تغيير تاريخ تحرير الكتب من جنس الكذب المحرم، ويزداد إثمه إذا ترتب عليه ظلم للآخرين، ومع ذلك فلا يعتبر من أعمال الكفر.
وبالنسبة لما طلبته من ذكر نواقض الشهادتين، فنفيدك أنه قد سبق لنا في فتاوى سابقة بيان جملة منها، ويمكنك الاطلاع عليها من خلال البحث الموضوعي على النحو التالي: العقيدة الإيمان ونواقضه نواقض الإيمان القولية والعملية والاعتقادية.
كما يمكنك الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها بوجه خاص: 7386، 3779، 8106، 133، 1854.
وأخيرًا، نوصيك مع الاستعانة بالله ودعائه بالشفاء مما بك من وساوس قهرية أن لا تهمل العلاج الطبي.
والله أعلم.