عنوان الفتوى : واصل الارتقاء على سلم الطاعات حتى لا يكون للشيطان عليك سبيل
أنا شاب عمري 25 عاما كنت في غفلة، لم أكن أصلي، وأسمع الأغاني وأشاهد الأفلام الخليعة حتى تاب الله سبحانه وتعالى علي فتوجهت إلى الله بالصلاة وابتعدت عن المنكرات والمحرمات قدر ما استطعت وأصبحت أجاهد نفسي فأتاني وسواس أول مرة يأتيني بهذا الشكل الخطير أعوذ بالله منه وسوسة في ذات الله وعدم وجوده (أستغفر الله) ويقول لي لا تصلي لماذا تتعب نفسك لماذا تعبد الله فأصبحت في عزلة وبكاء لا أعلم ماذا أفعل، فأصبحت أنتظر سخط الله علي فذهبت إلى صديق لي ملتزم جزاه الله خيراً فرآني حزينا مكتئبا فقال لي ماذا بك؟ فقلت :إني خائف من الله فقال لي لماذا قلت أنا كافر منافق؟ قال: استعذ بالله، فقلت تأتيني وسوسة ليست طيبة فقال لي ماهي فبكيت بكاء شديدا فقال لي لا تخف لقد عرفت ماهي الوسوسة، فما قال لي إلا ما وسوست به نفسي حتى قلت له وما أدراك؟ قال لي: قد أتتني من قبل سنوات قلت له ما هو الحل هل أنا كافر؟ فقال لي: لا تخف فأعرض عنها ولا تعطيها أي اهتمام وافعل عكسها مع الدعاء والصلاة وأعطاني دعاء أقوله وهو:اللهم إنك سلطت علينا عدوا عليما بعيوبنا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراه، اللهم آيسه منا كما آيسته من رحمتك وقنطه منا كما قنطه من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك ورحمتك) الحمد لله أسبوع وقد ذهب الوسواس بعد عناء ففرحت فرحا شديدا وقلت الله سبحانه قبل توبتي، وبعد شهر في رمضان ختمت القرآن للمرة الأولى فقلت في نفسي أريد أن أختمه مرة أخرى فما إن وصلت عند آية معينة إلا توقفت عندها فلم أفهم معناها فوسوست بأن الآية غير صحيحة وهي الأية 143 سورة آل عمران (وما محمد إلا رسول الله.... الآيه) فاستنكرت الوسوسة وقلت استغفر الله وذهبت للبحث عن تفسيرها لابن كثير فطمئن قلبي حتى عاد الوسواس يقول لي ما أدراك أن القرآن نقل إلينا صحيحا (أستغفر الله العظيم) ياليتني مت قبل أن أفكر بهذا هل أنا كافر أم منافق؟ هل سوف يسخط علي الله؟ هل سأدخل النار؟ أرجوكم أفيدوني مع العلم أني لم أتوقف عن قراءة القرآن والصلاة والاستغفار، سوف أحارب الوسوسة بكل طريقة بإذن الله سبحانه. فهل أحاسب على هذه الوسوسة أم سوف يتجاوز عني الله هذه الوسوسة؟ ومع العلم أن هذه الوسوسة كانت لا تأتيني عندما كنت لا أصلي هل هذا طبيعي و الله العظيم إني خائف لا أعلم ماذا أفعل هل خرجت عن الدين؟ الله وحده يعلم كم أني أحبه وأحب الرسول وأحب الإسلام ولو أن أحدا قال لي شيئا كهذا لقتلته نصراً لله ولرسوله أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بما من الله به عليك من توفيقك للتوجه إليه والإقبال على طاعته، ونسأله سبحانه أن يتم نعمته عليك ويزيدك هدى وأن يثبتك على الهداية حتى تتحرر من تسلط الشيطان عليك، ونفيدك بأنك لست كافرا ولا منافقا، أعاذك الله من ذلك، بل أنت مؤمن إن شاء الله ويشهد لإيمانك ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان.
كما أنك لست محاسبا على تلك الوساوس ما دمت كارها لها ولم ينعقد قلبك عليها كما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم.
وأما كون هذه الوساوس لم تكن تأتيك أيام غفلتك وإنما أتتك بعد توجهك إلى الله فهذا أمر عادي؛ فإن الشيطان حريص على إضلال بني آدم، فإذا وجد منه توجها إلى الله سعى إلى صده عن ذلك بشتى الطرق، بخلاف المعرض عن الله؛ فإن الشيطان قد ظفر بمراده منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره لا بد له من ذلك فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان. إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا. وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أخرى فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق كلما أراد العبد يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس فقال: صدقوا وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب. مجموع الفتاوى.
وقال ابن القيم في كتاب الوابل الصيب بعد تكلمه على أنواع القلوب: وقد مثل ذلك بمثال حسن، وهو ثلاثة بيوت: بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره، وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره، وليس جواهر الملك وذخائره، وبيت خال صفر لا شيء فيه، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت، فمن أيها يسرق؟ فإن قلت: من البيت الخالي، كان محالا؛ لأن البيت الخالي ليس فيه شيء يُسرق، ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب؟ وإن قلت: يسرق من بيت الملك، كان ذلك كالمستحيل الممتنع؛ فإن عليه من الحرس واليزك وما لا يستطيع اللص الدنو منه، كيف وحارسه الملك بنفسه؟ وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث فهو الذي يشن عليه الغارات.
فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل ولينزله على القلوب فإنها على منواله، فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان، قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكنا ومستقرا فأي شيء يسرق منه وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه، وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه، فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟ وإن أراد سرقة شيء منه فماذا يسرق؟ وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له؛ إذ هو بشر، وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع.
وختاما نقول لك: إنك كنت في منزلة سيئة من البعد عن الله، ثم ارتقيت إلى منزلتك الحالية بفضل الله، وما عليك إلى أن تواصل الارتقاء والصعود حتى لا يكون للشيطان عليك سبيل، وأعرض عن تلك الوساوس ولا تسترسل معها، واستعن بالله وتوكل عليه واصدق في اللجوء إليه وأكثر من الدعاء والاستعاذة، وسيزول عنك ما تجد إن شاء الله، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 38894 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.