عنوان الفتوى : استخار الله تعالى فلم يتيسر له العمل في الشركة التي يريدها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

صليت الاستخارة لتغيير عملي لشركة أفضل بكثير من الشركة التي أعمل بها من حيث الراتب الأفضل وجو عمل جيد، وراتبي الحالي لا يكاد يكفي مستلزماتي أنا وزوجتي، وهي الآن حامل وأنا بأشد الحاجة لراتب يكفي. لكن بعد صلاة الاستخارة تعسر ذلك العمل، وبقيت في هذه الشركة وهذه الظروف. والصراحة بدأ إيماني يتزعزع وندمت ضمنيا على الاستخارة، وتمنيت لو أني انتقلت لتلك الشركة. فحالتي المادية غير جيدة وبحاجة للمال. أنا أعرف أن الاستخارة لا تأتي إلا بخير، ولكن كيف يكون هذا الخير؟ كيف وأنا بحاجة للمال وأبقى بنفس العمل؟ أم أن الخير هو في الآخرة لكسب حسنات بسبب ضيقي وهمي ؟ لكن أنا اعلم أن الاستخارة لايمكن أن تبقي الإنسان في الشيء الذي يضره دنيويا. والفقر يضر بل إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من الكفر والفقر ، وأنا أدعو الله أن ييسر لي عملا بشركة أفضل. أفيدوني.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالاستخارة دعاء بلفظ وحال مخصوص، ومن المعروف أن هناك موانع من الإجابة تكون من جهة الداعي نفسه، منها الشك في الإجابة والدعاء على سبيل التجربة، ومنها استيلاء الغفلة واللهو على القلب والجوارح ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ. رواه الترمذي وأحمد، وحسنه الألباني.

قال المناوي في (التيسير) : أي لا يعبأ بسؤال سائل مشغوف القلب بما أهمه من دنياه، قال الإمام الرازي: أجمعوا على أنّ الدعاء مع غفلة القلب لا أثر له. انتهـى.

ومن الموانع التي ينبغي أن ينتبه إليها السائل: الاستعجال وترك الدعاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي. متفق عليه.

قال ابن عبد البر في (التمهيد) : في هذا الحديث دليل على خصوص قول الله عز وجل: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وأن الآية ليست على عمومها، ألا ترى أن هذه السنة الثابتة خصت منها الداعي إذا عجل اهـ.

وقد سبق بيان شروط إجابة الدعاء وموانعه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11571، 8331، 2395.

فلو استخار العبد محصلا شروط الإجابة، فلن يفعل إلا ما فيه خيره وصلاحه وعافيته، ولو لم يكن ذلك على وفق مراد نفسه، كما سبق بيانه في الفتويين: 1775 ، 64690. فمما ينبغي الانتباه له أن محبة الإنسان للشيء لا تدل بالضرورة على صلاحيته له، فلربما كانت مصلحة الإنسان في ما يكره ولكنه لا يدري؛ لأنه لم يطلع على الغيب، كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ {البقرة: 216} وقال سبحانه: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً{النساء: 19}

فمن يدري فلعل السائل الكريم إذا انتقل إلى العمل الثاني وترك الأول أن يستغني عنه أصحاب العمل الثاني فيكون قد ضيع العملين جميعا، ثم من يدري إلى أي حال يصير إذا وسع الله عليه رزقه، فالأمر لله تعالى يدبره بعلمه وحكمته، وقد قال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ {الشورى:27}

 قال ابن كثير: أي: ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر. كما جاء في الحديث المروي: "إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه" اهـ.

وأما مسألة بسط الرزق وتضييقه وزيادته ونقصانه، فقد سبق بيانها والكلام عن أسبابها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 66358 ، 6121 ، 7768. وانظر الفتوى رقم: 27048. ففيها بيان أسباب البلاء وأدعية كشفه.

والله أعلم.