عنوان الفتوى : استعمال المنتجات المصنعة من أجزاء حيوان غير مذكى
يوجد بعض منتجات من أنواع مشهورة بالسوق عامة من الجبن والزبادي والبسكويت. كذلك المواد الصحية كالصابون ومعاجين الأسنان والأدوية والفيتامينات التي يستخدم فيها مشتقات من أصول حيوانية غير متأكد من ذبحها إسلاميا ( مع أنها خالية من مشتقات الخنزير والكحوليات)..هذا منتشر في الدول العربية والأجنيبة على حد سواء .. هذه المشتقات ليست من اللحوم بل من أجزاء أخرى كإنزيمات أو طعم ولون طبيعي. إذا كان المستخدم يسكن في إحدى البلاد الأجنبية المسيحية، ولا بد في البحث عن أصول هذه المواد المستخدمة والتقصي عنها عن طريق الاتصال بالشركات المنتجة، والذي يتطلب بعض الوقت والجهد عما إن كانت من أصل حيواني حيث إنها من المتأكد أنها لم تذبح إسلاميا .. ومع العلم أنها تترك مجالا ضيقا جدا من الأطعمة الأساسية (كالزبادي والجبن والخبز ولبن الأطفال) لشرائه خصوصا إذا انعدم البديل الحلال في نفس البلدة الصغيرة؟؟ فها نأخذ بالتسهيل كالذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعي إلى طعام أهل الكتاب وأن طعام أهل الكتاب حلال كما في القرآن؟ أم نتجنب ما فيه أي شبهة لأنه من الحرام أن نأكل ما لم يذكر اسم الله عليه ؟؟ وهل يصح أن يكفي ذكر الله على الطعام إذا استصعب وجود طعام حلال في هذه البلاد أو غلاء أسعاره عن أسعار الأشياء العامة بالسوق.. وماذا عن الصابون ومستحضرات التجميل والكريمات هل تعتبر نجسة إذا لم تكن من ذبيحة حلال ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسؤال فيه تردد في وصف هذه المنتجات، ففي أوله تقول السائلة: (غير متأكد من ذبحها إسلاميا) وفي آخره تقول: (حيث إنها من المتأكد أنها لم تذبح إسلاميا) وعلى أية حال فإن حصل يقين أو غلبة ظن أن هذه المنتجات دخل في تصنيعها أجزاء من حيوان لم يذك ذكاة شرعية، ولم تعالج لتتحول إلى مادة أخرى قبل إضافتها إلى هذه المنتجات، أو حصلت معالجة ولكنها لم تتحول إلى مادة أخرى، فإنها تبقى على أصلها، وهو النجاسة وحرمة الاستعمال؛ لأنه بامتزاج تلك المادة النجسة بها صارت نجسة؛ لأن كل مائع غير الماء الطهور يتنجس بمجرد ملاقاة النجاسة.
وأما إن كانت مجهولة الحال أو المصدر، فالظاهر أنها مباحة؛ لعموم البلوى وجهالة الأصل، ولأن أغلب هذه المواد المصنعة تكون قد جرى عليها معالجة حتى تتحول عن أصلها. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 118554.
فالطعام المشكوك فيه لا مانع من استعماله ما لم يصل ذلك إلى اليقين أو الظن الغالب؛ لأن القاعدة أن الطعام لا يطرح بالشك، ولكن إذا تركه الشخص تورعا واحتياطا، فهذا لا شك أفضل . وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 48744، 28550، 30038. وانظري للفائدة الفتويين رقم: 73495، 22697.
هذا هو الأصل، وقد يتعارض هذا الأصل مع الغالب فيقدم الغالب تجنبا للشبهة، كما هو الحال في البلاد التي يكثر فيها الذبح بطريقة غير شرعية ويستفيض الخبر بذلك استفاضة تكدر صفو الاطمئنان إلى استصحاب حكم الأصل، ففي هذه الحال نرى توخي الحذر طالما وجدت الشبهة؛ لأن كونها لم تذك ليس احتمالا ضعيفا. وهذا يكفي في وجوب تجنبها. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 2437.
وهكذا الحكم في استعمال هذه المنتجات في الكريمات والأدهان لا يختلف عن حكمه في الطعام من حيث التفصيل السابق، كما قد بيناه في الفتويين رقم: 117865، 118554.
وأما مسألة الاكتفاء بتسمية الآكل نفسه على الطعام المشكوك فيه، فلا تأثير لها إذا كان الإشكال في طريقة الذبح، كأن يكون ذلك بالصعق الكهربائي مثلا، أما إذا كان الإشكال هو الشك في التسمية فإنه ينفع عندئذ، لما روت عائشة أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه. قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر. رواه البخاري. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 98311. وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 35595.
وإذا حكمنا بحرمة طعام أو منتج ما، فلا يجوز استعماله وإن استصعب غيره أو غلا سعره، ما لم يصل ذلك إلى حد الضرورة المعتبرة شرعا، كحال المجاعات مثلا، وحد الضرورة أن يغلب على الظن وقوع المرء بسببها في الهلكة، أو أن تلحقه بسببها مشقة لا تحتمل، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 62475.
والله أعلم.