عنوان الفتوى : أحكام طين الشوارع المخالط للنجاسة
ما حكم مياه الشوارع؟ أعلم بأنكم قد أجبتم -بارك الله فيكم- في بعض الفتاوى حول هذا الموضوع، لكن بعض الأمور لا تزال ملتبسة لدي، خاصة وأنني مصابة بالوسواس القهري، وأرجو أن أجد من أقوال أهل العلم ما يخفف عني العناء والمشقة..ذكرتم بأنه يعفى عن يسير ماء الطرقات المتيقن بنجاسته إلا في حالتين: ما لم تكن النجاسة غالبة أو عينها قائمة. فهل من تفسير واضح لهذا القول؟والذي فهمته هو: أن النجاسة تكون غالبة مثلاً في مياه المجاري، لكن ما حكم الماء الطاهر المختلط بنجاسة يسيرة؟ فمثلًا: حينما تمر إطارات عجلات سيارة متنجسة على ماء طاهر في الشارع، فهل يحكم بنجاسته، أم هو داخل من ضمن المعفو عنه؟وعينها قائمة: مثل فضلات الحيوانات الغير مأكول لحمها، مثل: فضلات الحمار، لكن ما الحكم فيما لو اختلط ماء طاهر بها، كأن سال بالقرب منها شيء من غسالات الناس أو أصابها من مياه الأمطار؟وما معنى العفو فيه؟ هل معناه عدم وجوب غسله عند إرادة الصلاة، أم أنه يحكم بطهارته ولا يتنجس الشخص عند ملامسة محله في الثوب بيد رطبة؟ وماذا لو تعرق وهو يلبس الثوب؟وكذلك أود أن أسأل حينما تذهب السيارات للمغسلة، فعجلاتها تطهر برش الماء عليها إن كانت متنجسة، لكن عند الخروج من المغسلة تمر على الماء الذي مرت عليه قبل عملية التطهير (أي حينما كانت متنجسة) ونجسته، وأنا لا أقصد بهذا الماء المنفصل عن التطهير، بل الماء الذي خارج المغسلة والقريب منها الذي مرت عليه السيارة المتنجسة قبل تطهيرها، فهل يحكم بتنجس الإطارات من جديد في هذه الحال؟ أم أن هذا يعتبر من الماء المعفو عنه؟ لأنني أصبحت أرى عجلات السيارات غير نظيفة حتى بعد غسلها، وأصبح لدي تخوف من لمس ملابسي لها وهي مبتلة..أرجو منكم بيان الحكم الشرعي الذي يرفق بحال الموسوس، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاسترسالك مع تلك الوساوس خطر عظيم، وتشقيقك المسائل وتعمقك في الافتراضات مما يجلب لك مزيد الوسواس، والذي يريحك من هذا العناء كله أن تحملي طين الشوارع وغيره من مياهها على الطهارة، ولا تحكمي بنجاسة شيء من ذلك، وحتى لو تيقنت نجاسة شيء من ذلك، فإن يسيره معفو عنه، أي: لا يجب تطهيره عند كثير من أهل العلم، وانظري الفتوى رقم: 134899، ورقم: 232783، وفيهما النقل عن بعض فقهاء المالكية بالتسهيل في هذا الباب جدا، فمعتمد مذهب المالكية أنه يعفى عن تلك النجاسة المخالطة لطين وماء الأمطار ما لم تغلب، وإن شك في الغلبة فالأصل عدمها، ثم إن عندهم قولاً وإن كان مرجوحًا بالعفو عنها وإن غلبت، وقال بعضهم إنه ظاهر المدونة.
قال الشيخ عليش في منح الجليل: (وَكَطِينِ) وَمَاءِ كَ (مَطَرٍ) وَرَشٍّ وَنَاقِعٍ فِي طَرِيقٍ اخْتَلَطَ بِبَوْلِ أَوْ رَوْثِ دَوَابَّ بَلْ (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ بِالْمُصِيبِ) لِبَدَنِ الْمُصَلِّي أَوْ مَحْمُولِهِ مَا دَامَ الْمَاءُ وَالطِّينُ طَرِيًّا فِي الطُّرُقِ، فَإِنْ جَفَّ سُنَّ أَوْ وَجَبَ الْغَسْلُ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ إنْ لَمْ تَغْلِبْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُصِيبِ (لَا) يُعْفَى عَنْ طِينٍ أَوْ مَاءٍ كَالْمَطَرِ (إنْ غَلَبَتْ) أَيْ زَادَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَلَى الطِّينِ أَوْ الْمَاءِ كَطِينٍ أَوْ مَاءِ مَزْبَلَةٍ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، فَقَوْلُهُ (وَظَاهِرُهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ (الْعَفْوُ) أَيْ عَمَّا أَصَابَ مِنْ طِينٍ أَوْ مَاءِ مَطَرٍ غَلَبَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ ضَعِيفٌ. انتهى.
وزاد الدسوقي هذا المعنى في حاشيته إيضاحا فقال: وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي أَيِّهِمَا أَكْثَرُ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ، أَوْ كَانَ الطِّينُ أَكْثَرَ مِنْهُمَا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ تَسَاوِيًا فَالْعَفْوُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَحْوَالَ أَرْبَعَةٌ: الْأُولَى: كَوْنُ الطَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ النَّجَاسَةِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا، أَوْ مُسَاوِيًا لَهَا كَذَلِكَ وَلَا إشْكَالَ فِي الْعَفْوِ فِيهِمَا، وَالثَّالِثَةُ: غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى الطِّينِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَغْسِلُ عَلَى مَا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَقَوْلُهُ: لَا إنْ غَلَبَتْ إلَخْ، وَالرَّابِعَةُ: أَنْ تَكُونَ عَيْنُهَا قَائِمَةً وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَا إنْ أَصَابَ عَيْنُهَا، وَكُلُّهَا مَعَ تَحَقُّقِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الطِّينِ. وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَاطِ أَوْ الشَّكِّ فِيهِ فَلَا مَحَلَّ لِلْعَفْوِ إذْ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ. انتهى.
فلك أن تعملي بما هو ظاهر المدونة كما مر بك، وإن كان إعراضك عن هذه الوساوس وتجاهلك لها هو السبيل الأمثل للعلاج، نسأل الله لك العافية.
والله أعلم.