عنوان الفتوى : التسمية عند الذبح حسب مختلف المذاهب
السلام عليكم. أود أن أستشير سيادتكم في شيء وهو: أنني أعيش الآن في بلد أجنبي، ولا نأكل إلا ما يكتب عليه كلمة حلال، ولكن لي صديقة هنا في نفس البلد قالت لي: إن هناك فتوى تبيح أكل ما هو مذبوح على غير الطريقة الإسلامية (أي من غير شهادة عليه) بشرط التسمية عليه والتشهد قبل أكله. فهل هذا جائز؟ مع العلم بأن هناك بعضا من هذه المنتجات ما هو موجود حلال والبعض غير موجود إلا بالطريقة المحرمة. أفيدوني أفادكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فيشترط في حل الذبيحة أن يذبحها مسلم أو كتابي: يهودي أو نصراني، وما يشترط في حل ذبيحة المسلم يشترط في حل ذبيحة الكتابي، ومن ذلك تسمية الله على الذبيحة، فإن سمى غير الله أو ترك تسمية الله عمدا، فلا تحل ذبيحته، وذهب الشافعية إلى حل ما تركت تسمية الله عليه سهوا أو عمدا، ما لم يسم عليه غير الله فيحرم، سواء كان الذابح مسلما أو كتابيا. وذهب طائفة من أهل العلم إلى جواز أكل ما ذبحه أهل الكتاب مطلقا، ولو سموا عليه غير الله. قال ابن العربي في أحكام القرآن: وقال جماعة العلماء: تؤكل ذبائحهم وإن ذكروا عليها اسم غير المسيح، وهي مسألة حسنة نذكر لكم منها قولا بديعا، وذلك أن الله سبحانه حرم ما لم يسم الله عليه من الذبائح، وأذن في طعام أهل الكتاب، وهم يقولون إن الله هو المسيح ابن مريم وإنه ثالث ثلاثة، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فإن لم يذكروا اسم الله سبحانه أكل طعامهم، وإن ذكروا فقد علم ربك ما ذكروا وأنه غير الإله، وقد سمح فيه، فلا ينبغي أن يخالف أمر الله، ولا يقبل عليه ولا تضرب الأمثال له... اهـ وبهذا أخذ بعض أهل العلم المعاصرين وأفتوا بحل ما ذبحه أهل الكتاب مطلقا، والقول الراجح: هو المنع من أكل ذبائحهم إذا لم يسموا الله تعالى عليها عمدا أو سموا غيره. وأما التشهد عند الذبح، وهو قول "أشهد أن لا إله إلا الله" فاختلف القائلون باشتراط التسمية لحل الذبيحة، هل يجزئ غير التسمية أم يتعين لفظها، وهو بسم الله؟ فذهب الحنفية والمالكية إلى إجزاء غيرها من الذكر. قال الحصكفي من الحنفية في الدر المختار: والشرط في التسمية هو الذكر الخالص عن شوب الدعاء وغيره، فلا يحل بقوله: اللهم اغفر لي، لأنه دعاء وسؤال، بخلاف الحمد لله أو سبحان الله مريدا به التسمية، فإنه يحل . ووجه اشتراط إرادة حل الذكاة في هذه الألفاظ ما قاله ابن عابدين وهو: أن هذه الألفاظ ليست بصريح في باب التسمية، إنما الصريح بسم الله، فتكون كناية، والكناية إنما تقوم مقام الصريح بالنية كما في كنايات الطلاق. وقال ابن حبيب من المالكية: وإن قال بسم الله فقط، أو الله أكبر فقط، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، أو لا إله إلا الله، أو سبحان الله من غير تسمية، أجزأه، وكلٌّ تسمية، ولكن ما مضى عليه الناس أحسن وهو بسم الله والله أكبر. اهـ وذهب الحنابلة في المعتمد عندهم إلى تعيين لفظ التسمية، قال ابن قدامة المقدسي في المقنع: ويشترط للذكاة شروط أربعة..."الرابع أن يذكر اسم الله عند الذبح، وهو أن يقول: بسم الله، لا يقوم غيرها مقامها" قال المرداوي: وهذا هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب، ونص عليه في رواية أبي طالب، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في الفروع وغيره، وقيل: يكفي تكبير الله ونحوه كالتسبيح والتحميد، وهو احتمال للمصنف والمجد. اهـ وأما إذا تركت التسمية أو ذكر الله عموما عند الذبح عمدا، فلا تجزئ التسمية أو التشهد، أو غيرهما عند الأكل في المذاهب الأربعة إلا الشافعية، كما سبق بيانه. وننبه السائل إلى أمرين. الأول: أن الخلاف السابق إنما هو فيما ذبح بطريقة صحيحة وتركت التسمية عليه، أما ما صعق أو ضرب في رأسه حتى مات ونحو ذلك، فهو ميتة لا يحل أكلها، والقول بحلها إذا كان الصانع بها ذلك من أهل الكتاب قول ضعيف شاذ. الثاني: أنه ليس كل ما كتب عليه "حلال" أو كتب عليه "ذبح على الطريقة الإسلامية" يجوز أكله، فإن هذه العبارة قد تستخدم للتضليل، ويدل على ذلك أن بعضهم كتب على بعض اللحوم "لحم خنزير مذبوح على الطريقة الإسلامية" وبعضهم كتبها على علب السمك -التونة- مما يدل على أنهم يستخدمونها كشعار، وأحيانا يضعونها في غير محلها، فينبغي للمسلم أن يتنبه لمثل هذه الأمور ويتحرى الحلال. والله أعلم.