عنوان الفتوى : مذهب الحنفية في الحياة التي يكفي وجودها عند التذكية لحل أكل الحيوان
فيما يتعلق بالذبح بعد الصعق الكهربائي، هل المعتمد عند الحنفية مجرد بقاء حياة في الحيوان (مطلق الحياة)؟ يعني أن اللحوم في الغرب كلها حلال؛ لأنها تكون بعد الصعق بالكهرباء الذي يخدر الحيوان؟ وما قولكم في كلام ابن عثيمين عن حلية الذبائح في أمريكا؛ لأنه ليس مطلوباً منا أن نسأل عن كيفية الذبح التي يقوم بها أهل الكتاب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فتحرير المذهب في هذه الجزئية، يحتاج إلى متخصص فيه، وليس عندنا الآن من المشايخ من هو متخصص، ولذلك سنكتفي بنقل بعض ما اطلعنا عليه في كتبهم في هذه المسألة، فنقول: الحنفية عندهم ما يسمى بالحياة الخفية، والحياة الجلية، وكل منهما يكفي وجودها لحلية ما أدركت فيه من المنخنقة وما معها.
جاء في مجمع الأنهر، مفصلا أقوال الحنفية، والمفتى به عندهم: ( وَكَذَا إنْ ذَكَّى الْمُتَرَدِّيَةَ ) أَيْ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْ الْعُلْوِ (وَالنَّطِيحَةَ) أَيْ الَّتِي مَاتَتْ مِنْ النَّطْحِ، وَهُوَ ضَرْبُ الْكَبْشِ بِالْقَرْنِ لَهُ (وَالْمَوْقُوذَةَ) أَيْ الَّتِي قُتِلَتْ بِالْخَشَبِ (وَاَلَّتِي بَقَرَ) أَيْ شَقَّ (الذِّئْبُ بَطْنَهَا، وَفِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (حَيَاةٌ خَفِيَّةٌ) أَيْ دُونَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ (أَوْ جَلِيَّةٌ) أَيْ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ، وَقِيلَ: الْخَفِيَّةُ بِأَنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ، وَلَكِنْ يَتَنَفَّسُ ......(حَلَّ) أَيْ يَحِلُّ أَكْلُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، إذَا ذُكِّيَتْ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتِثْنَاءٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجِسِ بِفِعْلِ الذَّكْوَةِ، وَقَدْ حَصَلَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ) أَحَدُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بِحَيْثُ (لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ، لَا يَحِلُّ) بِالتَّذْكِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ بِالذَّبْحِ أَيْ مُضَافًا إلَى الذَّبْحِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ حَلَّ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعِيشُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ، بَلْ كَانَ يَعِيشُ مِقْدَارَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ (فَلَا) يَحِلُّ بِالتَّذْكِيَةِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. اهـ.
وقال ابن عابدين في حاشيته: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ أُكِلَ، عَلَيْهِ الْفَتْوَى - {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]- مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ .. اهــ.
وانظر الفتوى رقم: 218914 عن حكم أكل الذبيحة التي تصعق بالكهرباء قبل ذبحها.
وأما قول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في عدم السؤال عن كيفية ذبح أهل الكتاب لذبائحهم والأكل منها، فقد قال ذلك رحمه الله تعالى - في فتاوى نور على الدرب، وغيرها- بناء على الأصل في حل ذبائحهم، لكن هذا الأصل عارضه ما هو الغالب عليهم الآن، من أنهم يصعقون الذبيحة بالكهرباء، أو يضربونها بالرصاص في رأسها كما هو الحال في البقر، وهذه الطريقة لو علمنا أن مسلما استعملها في الذبح، لم يحل أكل ذبيحته، فكيف بيهودي أو نصراني؟!
فما ذكره الشيخ مبني على الأصل، الذي عارضه الغالب، وقد قدمنا في الفتوى رقم: 233680 أنه إذا تعارض الأصل والغالب، قدمنا الغالب تجنبا للشبهة، ونحن نظن أن الشيخ نفسه لو رآهم كيف يضربون البقر بالرصاص، والغنم بالصعق الكهربائي، لكان له رأي آخر -رحمه الله تعالى-، وانظر أخيرا للأهمية، الفتوى رقم: 129341.
والله أعلم.