عنوان الفتوى : حدود نفقة الأب على أولاده
ما حكم الأب الذي لا يعطي أولاده حقهم من النفقة، ويبخل عليهم في كل شيء، حتى سكنهم، مع العلم أن السكن مكون من غرفتين وعددهم سبعة، وكلهم مابين سن 18 إلى 24، والأب مرتاح ماديا، وقادر على أن يوفر لهم عيشة كريمة؟ أفيدوني؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في لزوم نفقة الوالد على ابنه البالغ الفقير القادر على الكسب، فأكثر العلماء يرون أنه لا تلزمه نفقته لقدرته على الكسب. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن والد غني وله ولد معسر. فهل يلزم الوالد الغني أن ينفق على ابنه المعسر؟ فأجاب رحمه الله: نعم، عليه نفقةُ ولدِهِ بالمعروف إذا كان الولدُ فقيراً عاجزاً عن الكسب والوالدُ مُوسراً. اهـ مختصراً من الفتاوى. ومفهوم كلام شيخ الإسلام أن غير العاجز عن الكسب - وهو القادر لا تجب نفقته.
واختلفوا أيضاً في البنت التي بلغت الحلم، هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا؟ فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج. وهذا هو الراجح لعجزها عن التكسب، ولأن إلزامها بالتكسب يفضي إلى مفاسد عظيمة.
وعليه؛ فإنه لا يلزم الأب بالإنفاق على الذكور منكم إلا من كان منهم فقيرا غير قادر على الكسب. وأما القادر فلا تجب نفقته على أبيه إلا إذا كان مشغولا بالتعليم فإنه تجب حينئذ نفقته على أبيه لأن الأب تلزمه نفقة تعليم أولاده على ما سبق ذكره في الفتوى رقم: 97754.
أما البنات فيلزم الأب بالإنفاق عليهن حتى الزواج . ومن وجبت له النفقة فيجب على الأب أن يبذلها له ويحرم عليه منعها أو التقتير عليه فيها، لأن هذا حق محتم عليه، ويدخل في أمر النفقة أن يُطعِمهم ويكسوهم ويسكنهم مسكنا مناسبا حسب القدرة وجريان العرف. بل وعليه أن يزوج الذكور منهم إذا كان لهم الرغبة في الزواج ، وكان الأب قادرا على ذلك .
قال المرداوي في كِتاب الإنصاف: يَجِب علَى الرجلِ إعفاف من وجبت نفقتهُ عليْهِ منْ الآبَاءِ والأجداد والأَبْنَاءِ وَأَبْنَائِهِمْ وَغَيْرِهِمْ ، ممن تجب عليه نفقتهم . وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ .انتهى
وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: (مسألة) ومن لزمته نفقة رجل فهل يلزمه نفقة امرأته؟ على روايتين، كل من لزمه إعفاف رجل لزمته نفقة امرأته؛ لانه لا يتمكن من الاعفاف إلا بذلك، وقد روي عن أحمد أنه لا يلزم الاب نفقة زوجة الابن، وهذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها.انتهى
ومتى امتنع الأب عن النفقة الواجبة عليه لأولاده أو شيء منها وأمكنهم أخذه دون علمه فلهم ذلك، وقد أذِن النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من مالِه بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف ، فقال عليه الصلاة والسلام: خُذِي ما يكفيك وولدك بالمعروف. رواه البخاري ومسلم .
فعلى الأب أن يتقي الله سبحانه في أولاده، وأن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.رواه أبو داود وغيره، وحسنه الألباني.
والله أعلم.