عنوان الفتوى : إمام المسجد يصر على الجمع بين الصلوات لغير عذر
إمام المسجد الذي نصلي فيه اعتاد الجمع حتى في الأيام التي لا يوجد فيها عذر وحجته في ذلك أن الرسول قد جمع في عذر وفي غير عذر فهل هذا صحيح؟ أما
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يفعله هذا الإمام هداه الله خطأ مضاعف فإنه كما قيل قد جمع حشفا وسوء كيل، إذ لم يكتف بفعل ما هو خطأ ظاهر من الجمع بين الصلاتين لغير عذر حتى أراد أن يلزم الناس به ويحملهم عليه، وزاد من فداحة الخطب زعمه أن هذا هو الشرع الذي لا تجوز مخالفته، فإلى الله المشتكى حين يعم الجهل ويضمحل العلم. ونقول أولا إن الجمع بين الصلاتين لغير عذر من الكبائر كما روي ذلك عن عمر وأبي موسى رضي الله عنهما، لأن الله قد جعل للصلوات أوقاتا لا يجوز إخراجها عنها بتقديم ولا تأخير، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103}.
وشبهة هذا الإمام هي حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر
وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس فما أراد بذلك، فقال: أراد أن لا يحرج أمته. متفق عليه. واللفظ لمسلم.
وهذا الجمع المذكور في هذا الحديث لم يكن لغير عذر مطلقا كما فهمه هذا الإمام، وقد رجح النووي أن هذا الجمع كان لأجل المرض، ورجح العلامة العثيمين أن هذا الجمع كان لحاجة، فإنه قال في آخره: أراد أن لا يحرج أمته، وليس في فعل الصلاة في وقتها حرج فدل على وجود حاجة لإظهار جمع النبي صلى الله عليه وسلم للحرج.
وجزم غير واحد من أكابر العلماء كالشوكاني، وتبعه العلامة الشنقيطي في الأضواء بأن هذا الجمع المذكور في الحديث هو الجمع الصوري، وهو أن تفعل إحدى الصلاتين في آخر وقتها والأخرى في أول وقتها،وانظر الفتوى رقم: 57831.
وأيا كان الأمر فإن جمعه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث له تأويل عند أهل العلم يخرج به عن كونه تعمد إخراج الصلاة عن وقتها لغير عذر.
إذا علمت هذا فاعلم أن متابعة هذا الإمام على ما يفعله من الجمع لغيرعذر لا تجوز قطعا بل تجب مناصحته حتى يكف عن هذا الفعل الممنوع شرعا، فإن لم ينتصح لم تجز متابعته البتة على هذا الفعل المذموم، ولا نعلم أحدا من العلماء قال بوجوب الجمع مع الإمام إذا جمع جمعا سائغا في الشرع فكيف إذا يقال بوجوب الجمع مع الإمام إذا كان جمعه غير جائز شرعا، هذا ما لا يمكن أن يقال به، بل هو من أقبح الجهل وأبينه، نسأل الله أن يمن علينا بالعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.