عنوان الفتوى : جمع الصلاة لغير عذر
شيخنا أمد الله بعمرك ونفعنا بكم.. سؤالى: ثبت في الصحيح أن رسول الله قد جمع مع المسلمين الصلاة بغير خوف أو مطر وكذلك ابن عباس عندما يدارس قوما وحانت صلاة المغرب وفاتت وهو على مكانه حتى صاح به جلساؤه الصلاة الصلاة فقال لهم أتعلموني بالسنة لا أبا لكم؟ فقال: بل فعلها من هو بما معناه أشرف الخلق يقصد بذلك الرسول عليه الصلاة والسلام، وسؤالي الآن هل يجوز لانشغالاتي أحيانا أن أجمع الظهر مع العصر جمع تقديم والمغرب والعشاء كتأخير وبشكل مطلق أم أحياناً نادرة وبأضيق الأحوال؟ ودمتم لنا ونفعنا بعلمكم وشكراً لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة. قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدق مقالته.
وروى مسلم أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر في حديث وكيع. قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته، وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.
وفي الحديث الأخير بين ابن عباس رضي الله عنهما العلة في هذا الجمع وهو رفع الحرج عن الأمة، وبه أخذ بعض الأئمة فجوز الجمع للصلاة للحاجة كالمرض أو الحاجة الشديدة. أما الجمع دائماً لغير سبب فلم يقل أحد منهم بجوازالجمع المؤدي إلى تقديم الصلاة عن وقتها أو تأخيرها عنه لغير عذر، بل عدوا ذلك من كبائر الذنوب، ففي المصنف لابن أبي شيبة عن أبي بن عبد الله قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز (لا تجمعوا بين الصلاتين إلا من عذر).
وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر.
وفي الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جمع بين الصلاتين من غير عذر، فقد أتى بابا من أبواب الكبائر، قال أبو عيسى: وحنش هذا هو أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره.
والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين.
وأما الجمهور، فحملوا الجمع المذكور في حديث ابن عباس من قوله وفعله على أنه جمع صوري بأن تؤخر الصلاة الأولى إلى قرب دخول وقت الصلاة الأخرى فتصلى، وبعد الانتهاء منها يدخل وقت الصلاة الثانية، فتصلى في أول وقتها.
قال الشوكاني في النيل: ومما يدل على تعين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري.
ثم ذكر الشوكاني مؤيدات أخرى للجمع الصوري ودفع إيرادات ترد عليه ، من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى النيل.
قال المباكفوري في تحفة الأحوذي: وهذا الجواب هو أولى الأجوبة عندي وأقواها وأحسنها، فإنه يحصل به التوفيق والجمع بين مفترق الأحاديث. انتهى
وإذا كانت هذه هي أقوال أهل العلم في هذه المسألة، فاعلم أن الأصل هو أن تصلي كل صلاة في وقتها وتحافظ على ذلك، فهو رأس مالك، وتأخذ بالعزم في أمور دينك عموماً، وفي هذه المسألة العظيمة خصوصاً، إبراءً لذمتك، وعملاً بمذهب الجمهور، وإن اضطررت في بعض الأحيان إلى الجمع للحاجة كالانشغال بالعمل على ما ذهب إليه بعض أهل العلم كما رأيت، فلا حرج عليك أن تجمع ولا تتخذ ذلك عادة.
والله أعلم.