عنوان الفتوى : ما دمت قد استخرت فما اختاره الله لك هو الخير
استخرت الله أكثر من مرة في السفر خارج وطني للعمل، ولم ينشرح صدري كثيرا، وكنت في حيرة بالغة وسعيت في الإجراءات، وقلت في نفسي إن تمت الإجراءات على خير أعتبر ذلك نتيجة الاستخارة وأسافر. وفعلا انتهت الإجراءات وسافرت، وبعدها وجدت اختلافا كثيرا عما توقعته من حيث صعوبة طبيعة العمل وغلاء المعيشة بالنسبة للراتب. هل قصرت في حق نفسي حين عولت نتيجة الاستخارة على تمام الأمر وتيسير السفر فقط دون اعتبار لضيق صدري، ونصائح بعض المقربين بعدم السفر ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت قد استخرت الله، فقد فعلتَ ما شرعه الله لك وندبكَ إليه النبي صلى الله عليه وسلم، والاستخارة سببٌ من أسباب التيسير، وما دام سفرك قد تيسر فنرجو أن يكون ذلك هو ما اختاره الله عز وجل لك، وليس فيما فعلته تقصير، والواجبُ عليكَ الآن الصبر على ما قدره لك، وترك العتب على الأقدار ولومها، بل ارض بما قسمه الله لك.
واعلم أن اختياره لك خيرٌ من اختيارك لنفسك، وأنه تعالى أرحمُ بعبده من الأم بولدها، فهو لا يقضي لعبده المؤمن قضاءً إلا وكان خيراً له، فالرضا بقضاء الله وقدره، وترك التسخطِ على الأقدار والعتب عليها والتندمِ على ما فات، وترك الإكثارِ من قول لو هو الحصن الحصين، فعليكَ أن تلوذ به، والخيرةُ فيما اختاره الله، فلا مدعاةَ للوم النفس، وقد تم ما قضاه الله. وربُنا تعالى لا مُعقبَ لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا مُبدلَ لكلماته.
ثم إن عقل الإنسان عاجزٌ قاصر فهو لا يكاد يحيط بالأمر من جميع جوانبه، وليس مناط الخيرية محصورا فى رخص المعيشة ووفرة النفقات، بل قد تكون هناك وجوه من وجوه الخير مما تدركه في سفرك وأنت لا تشعر، كاكتساب الخبرات النافعة، وتحصيل العلوم المفيدة؛ ولذا فنحن ننصحك بأن تترك التفكير فيما فات، وأن تقبل على شأنك، داعيا ربك أن ييسر لك الخير، متوكلا عليه في جميع أمورك، طالبا منه المعونة والتثبيت، ملتمسا الخير فيما قضاه وقدره لك.
والله أعلم.