أرشيف المقالات

عقوبة الردة حداً لا تعزيراً:المقال الثاني

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
 ثم بدأ بالتحدث عن أدلة الأحاديث النبوية على عقوبة الردة، وأن ماتستند عليه كتب الفقه الإسلامي والفقهاء في إثبات عقوبة الردة كحد هو بعض الأحاديث فذكر ثلاثة أحاديث وعلق عليهم، وبالتبعية سنأخذهم تباعاً ونعلق على تعليقه. أول تلك الأحاديث "روى هذا الحديث الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله عنه: “ «أن نفرًا من عكل ثمانية  قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا، فسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من ألبانها وأبوالها؟ قالوا: بلى.
فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا، فقتلوا راعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأطردوا النعم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهم، فأُدرَكوا فجِيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا» " ورُوي لفظ الردة أو المرتدين في حديث العرنيين .
ولن أعلق على هذا الحديث لذكر المحاربة والردة في نفس الحديث فلا يمثل دليلاً واضحاً  للإستناد عليه.
أما الحديث الثاني فيقول هو تعليقاً عليه "بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قتل المسلم لا يُباح إلا في حالة من ثلاث حالات، أو بسبب من ثلاثة أسباب: “ «النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين المفارق للجماعة» ”.
والسببان الأولان لا علاقة لهما بالردة وعقوبتها، إنما فسَّر كثير من الفقهاء “المارق من الدين المفارق للجماعة” بأنه المرتد، وقرَّروا بناء على ذلك أن المرتد يُقتل حدًا بنص هذا الحديث الصحيح.وهذا التفسير ليس محل اتفاق بين الفقهاء.
فابن تيمية رحمه الله قرر أن المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المارق من الدين المفارق للجماعة” يحتمل أن يكون المحارِب قاطع الطريق لا المرتد.
ويستند ابن تيمية في رأيه هذا إلى أن رواية للحديث المذكور، قد جاءت مُفسَّرة على هذا النحو عن عائشة رضي الله عنها، وذلك هو ما رواه أبو داود بسنده عن عائشة -رضي الله عنها- أن -رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان، فإنه يُرجم، ورجل خرج محاربًا لله ورسوله، فإنه يُقتل أو يُصلب أو يُنفى من الأرض، أو يقتل نفسًا فيُقتل بها”.
وأخذًا بهذا الحديث، قال ابن تيمية: “فهذا المستثنى هو المذكور في قوله: التارك لدينه المفارق للجماعة.
ولهذا وصفه بفراق الجماعة، وإنما يكون هذا بالمحاربة.فإذا صح هذا التفسير، وهو عندي صحيح، فإن الأسباب المبيحة لدم المسلم والمذكورة في حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه البخاري ومسلم هي نفسها التي وردت في حديث عائشة الذي رواه أبو داود.
ويكون النص في هذا الحديث على المروق من الدين ومفارقة الجماعة مقصودًا به من ارتد ثم حارب الله ورسوله، وليس بمجرد الردة.
وعلى ذلك فإن حكم المرتد الذي لم تقترن ردته بمحاربة جماعة المسلمين التي عبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “بمحاربة الله ورسوله” لا يُستَدلُّ عليه بهذا الحديث.وبعبارة أخرى، فإن الحديث الذي نحن بصدده لا يقرِّرُ حكم الردة المجردة، وإنما يقرر حكم المحارب.
والمحارب يُقتل سواءً أكان مسلما أو غير مسلم.
فلا يسوغ الاستناد إلى قوله صلى الله عليه وسلم: “المارق من الدين المفارق للجماعة” في إثبات عقوبة القتل حدًا للمرتد" بالنسبة لهذا الحديث فقد اختلف أهل العلم في قوله -صلى الله عليه وسلم-( «التارك لدينه المفارق للجماعة» ) فقال بعضهم بأن عبارة المفارق للجماعة هي تفسير أو صفة لتارك الدين وليست تخصيصاً أو تقييداً له كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله" والمراد بالجماعة جماعة المسلمين أي فارقهم أو تركهم بالإرتداد فهي صفة للتارك أ والمفارق لاصفة مستقلة و إلا لكانت الخصال أربعاً، وهو كقوله قبل ذلك: مسلم يشهد أن لا إله إلا الله فإنها صفة مفسرة لقوله "مسلم" وليست قيداً فيه، إذ لايكون مسلماً إلا بذلك، ويؤيد ما قلته أنه وقع في حديث عثمان( أو يكفر بعد إسلامه)، أخرجه النسائي بسند صحيح، وفي لفظ له صحيح أيضاً(ارتد بعد إسلامه) وله من طريق عمرو بن غالب عن عائشة ( «أو كفر بعدما أسلم» ) وفي حديث ابن عباس عند النسائي (مرتد بعد إيمان) قال ابن دقيق العيد: الردة سبب لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجل"ومذهب آخر أن المراد به من ارتد وحارب فإن هذا يقتل وإن تاب بعد القدرة عليه، وإنه لو أُريد  المرتد المجرد لما احتاج لقول (المفارق للجماعة) فالردة توجب القتل و إن لم يفارق الجماعة وهو مايميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ،مع العلم أن ابن تيمية يقول بقتل المرتد حتى وإن كان عاجزاً عن القتال.
و أظهر هذه الأقوال هو القول الأول؛ لدلالة الأحاديث الأخرى كالتي ذكرها ابن حجر في النقل السابق.
ومع اختلافهم أصلاً في فهم الحديث لم يقل أحدهم أن جملة (المفارق للجماعة) مُخصِصة، ولكن قالوا بأنها صفة للترك أو مفسرة أو أن محاربة المسلمين ترك لدينهم مفارقة لجماعتهم، وأن القتل بالردة المجرد محل إجماع وعليه دلائل كثيرة : منها أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كتب  إلى عمر بن الخطاب: أن رجلاً استبدل الكفر بعد إيمانه،  فكتب إليه عمر: استتبه فإن تاب فاقبل منه وإلا فاضرب عنقه..
وقال بهذا الشافعيوابن عبد البر.
وعند الحنابلة، نجد في كشاف القناع: (وأجمعوا على وجوب قتل المرتد).
 وقال الشوكاني: (قتل المرتد عن الإسلام متفق عليه في الجملة وإن اختلفوا في تفاصيله والأدلة الدالة عليه أكثر من أن تحصر)وقال الإمام الطحاوي (قد أجمعوا أن المرتد قبل ردته محظور دمه وماله ثم إذا ارتد فكل أجمعوا أن الحظر المتقدم قد ارتفع عن دمه وصار دمه مباحاً)..الخ من الأدلة الكثيرة.نأتي إلى الحديث الثالث وهو حديث ‏‏« من بدل دينه فاقتلوه » حديث صحيح رواه البخاري وغيره من أهل السنة بهذا اللفظ فقال الكاتب معلقاً عليه "ويُورِد الأحناف على الحديث قيدًا آخر يخصصون به عموم لفظه، حيث يرون أن المرتدة لا تقتل، وأن الحديث مقصور على المرتد من الرجال دون من ترتد من النساء.
وقد علل الحنفية ذلك بأن المرأة لا تقاتل، وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل النساء، والنهي عام، فيجري على عمومه ليشمل المرتدةفعلة قتل المرتد عند الأحناف أنه قد يقاتل المسلمين مع الكفار أو المشركين فلذلك يقتل، أما المرأة فليست من أهل القتال فلا تقتل." وهنا خطأ في فهم وتأويل مذهب الحنفية، فالحنفية يرون المرتد كالحربي فإذا ارتد عن دينه زالت عصمة دمه فأصبح حربياً، وبناءاً على ذلك فالمرأة من قوم حربيين لا تقتل وإنما تُسجن والقتل مختص بالرجال فقط.
وبالتالي فهم لا يقولون بأن علة قتل المرتد بأنه أصبح يحاربنا ولكن هم يعللون لقتل كل مرتد بأنه أصبح حرابياً .
بمعنى آخر أوضح ( أن الردة في ذاتها محاربة والمرأة اجتمع فيها وصفان: المحاربة والأنوثة، وأحد الوصفين موجب للقتل والآخر مانع، فلذا منعوا قتلها).
مع العلم أيضاً أن أبا حنيفة الذي يقول بعدم قتل المرتدة يقول أيضاً بحبسها وإجبارها على الإسلام .
وبالتالي من يستدلون بمذهب الحنفية في إنكار قتل المرتد وقعوا في أزمة، مابين خطأ التأويل وبالتالي يٌقتل المرتد و وقوع الكراهة للأنثى، فأيهما سيختار الكاتب ؟  ثم بدأ الكاتب بعرض رأيه في حد الردة و أورد نقلاً وهو "وقد سبق إلى مثل هذا التردد المرحوم الشيخ محمود شلتوت، فقال بعد أن بيّن مستند الفقهاء في تقرير عقوبة الردة، وخلافهم في مدى إعمال الحديث النبوي في قتل المرتد: “وقد يتغير وجه النظر في المسألة إذ لوحظ أن كثيرًا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبُت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحًا للدم، وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه في الدين"وهنا عدة إشكاليات: أولها: جملة (أن كثيراً من العلماء يرى أن الحدود لا تُثبت بحديث الآحاد) ونسبتها للعلماء نسبة باطلة، فمن من العلماء قال بذلك ؟ بل الصواب  أنَّ أحاديثَ الآحادِ الصحيحةَ حُجَّةٌ بِنَفْسِها في العقائد والأحكام، لا يُفَرَّقُ بينها وبين الأحاديث المتواترة، وعلى هذا جرى علماء الأمَّة جِيلاً بعد جِيل.ثانيها: إسقاط جميع الأحكام الشرعية التي جاءت عن طريق الآحاد (وهي معظم الأحكام التفصيلية) إذا سلكنا هذا المسلك .ثالثها: وأن جماعة من الأصوليين قالوا بأن أحاديث الآحاد إذا وافقت الأجماع صارت قطعية كالمتواتر، وكما وضحنا في السابق نقلنا عده نقولات وسأزيد من الشعر بيتاً عن نقل الإجماع في قتل المرتد.
عند الحنفية: جاء في الدر المختار مع حاشية ابن عابدين: (فإن أسلم فيها وإلا قتل، لحديث: من بدل دينه فاقتلوه)، وعند المالكية: من التوضيح في شرح مختصر خليل: (وحكم المرتد إن لم تظهر توبته القتل، لما في البخاري وغيره عنه عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه)،وقال ابن عمر رضي الله عنه: يستتاب المرتد ثلاثاً، فإن تاب ترك وإن أبى قتل.
وقال الإمام البغوي (والعمل على هذا عند أهل العلم أن المسلم إذا ارتد عن دينه يقتل، واختلفوا في استتابته)(15) ،وقال القاضي أبو يوسف:  (وأحسن ما سمعنا في ذلك والله أعلم: أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم على ما جاء من الأحاديث المشهورة وما كان عليه من أدركنا من الفقهاء)، ومن الممكن مضاعفة هذه الاعداد والنقول ولكن للإختصار ولمن أراد الزيادة فلينظر للحاشية.بعدها بدأ يعيد في بعض كلامه أن العقوبة غير مذكورة في القرآن ورردنا على ذلك آنفاً، وبعدها بدأ يقول "ولكننا وجدنا في السنن الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يجعلنا نذهب إلى أن الأمر الوارد في الحديث بقتل المرتد ليس على ظاهره، وأن المراد منه إباحة القتل لا إيجابه.
ومن ثم تكون عقوبة المرتد عقوبة تعزيرية مفوضة إلى الحاكم: أي القاضي، أو الإمام: أي رئيس الدولة، أو -بعبارة أخرى- مفوضة إلى السلطة المختصة في الدولة الإسلامية، تقرر فيها ما تراه ملائمًا من العقوبات، ولا تثريب عليها إن هي قررت الإعدامَ عقوبةً للمرتد.
وهذا -والله أعلم – هو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن من بدل دينه فيجوز أن يُعاقب بالقتل، لا أنه يجب حتما قتله." طبعاً لا نحتاج للرد على هذا الكلام فإنه لا يوجد أي دليل عليه أصلا وقضية الإباحة هذه ليست عليها دليل فقد أتت الأحاديث مباشرة وواضحة والإجماع على ذلك فمن أين جاء بهذا الكلام؟ بل على العكس فهو قد نفى الأدلة وقرر أنها تمنع القتل.
وسبحان الله ليس عنده إشكال في تقرير الإعدام من جهه السلطة المختصة ولكن الإشكال يأتي في تقرير القتل من الأحاديث، فصراحة احترت هل الإشكال عنده هو أن عقوبة القتل بها كراهة و معارضة للآية ( {لا إكراه في الدين} )؟  ورردنا على ذلك مع تسويغة للإعدام من جهة السلطة، فهل العقوبة بالإعدام من جهة السلطة ليس فيها إكراه!  أم الإشكال في إعمال أحاديث الآحاد ورردنا على ذلك.
أم الإشكال عنده في ماذا بالضبط؟وهنا نقطة إضافية أخرى هل الردة عنده مجرمة كما قال أم لا؟ فإن كانت مجرمة فكل كلامه لا معنى له، فهي عقوبة وفيها إكراه، والحاكم ليس له أن يعفو مطلقاً عن الجرائم، إنما قد يسقط العقوبة عن بعض الناس لعارض لا أن يسقط العقوبة عن الذنب كله، فالخمر مثلا وقع خلاف هل هو حد أم تعزير، لكن لا يجوز للحاكم أن يبيح الخمر بسبب ذلك.
أحمد مجدي


شارك الخبر

المرئيات-١