عنوان الفتوى : الشخص يجب عليه الأمر بالمعروف ولو لم يفعله
في العام الماضي كنت لازلت مخطوبة إلى زوجي الآن -وكان عاقدا علي_ وكان مسافرا حينها وكنت بطبيعة عملي أخرج وأتكلم_ ربنا يهديني الى تقليل ذلك_ وحينها صادفني أحد أقرباء والدي رجل في الأربعينات ومع أنى والله كان لدي القليل من الالتزام على ما كنت أظن، وقعت فريسة لهذا الرجل فقد كان يمدني بكل ما أطلبه منه من أدوية أو ألبان يطلبها مني أقربائي وكان يعطيني شخصيا ما أريده من مستلزمات وكريمات بدون مقابل وكان مطلق البصر لا يغضه ولا يتحرج من التحدث عن مفاتني ونظرا لغفلتي حينها انسقت وراء ذلك ووالله ما كنت أريد إلا الحصول على ما يطلبه أقربائي, نظرا لمعرفتي الكثير ممن هم في هذا الوسط الطبي, أن أوفره لهم ولم أكن أستمتع بذلك ولا غير هذا فكنت أركب معه سيارته وأختلي به كثيرا وحدنا وكنت لكرهي له في البداية أبعده عني عند اقترابه لكن بعد ذلك كنت أتركه يقبلني ويتحسس جسدي من فوق ملابسي ولربما أريته الجزء العلوي من جسدي كنت أبكى شديدا بعد تركي إياه وكنت أمقته بشدة لجرفي إلى ذلك وأستغفر الله لكني كنت أعود مرة أخرى إليه اعتقادا في نفسي أنى سأنتقم منه بجعله يتعلق بي ثم أتركه وكنت كلما حدثته أن هذا حرام ولا يرضى الله يقول لى الناس كلها هكذاا وقد نفعل بعض الأشياء غصبا عنا حتى لما قلت له أفسخ عقدي ويتزوجني رغم أنه متزوج وأنا كنت أقترح ذلك لأعرف ما يريد ولا أرغب به أصلا فرفض وتعلل بأن المجتمع لن يقبل ذلك للفارق الكبير في السن ولكونه متزوج أو لعلو مستواي الثقافي عنه، وظللت مدة غارقة في تلك الذنوب إلى أن هداني الله والتحقت بأحد الدورات فانشغلت وبعدت عنه خصوصا عندما كان لا يريد أن يراني إلا لذلك وليتحدث بفاحشة وعندما أعامله بجدية يسيء المعاملة ولا يعطيني مثلما كنت في البداية ما أريد من أدوية نادرة في السوق رغم أني أعطيه ثمنها. أعلم أن خطئي كبير في حق نفسي وخطيبي الذي كان عاقدا علي وأسرتي التي وثقت أبي وكل الناس التي تنظر إلي على أنى ممن يعرفون الدين لا يقترفون مثل تلك الذنوب البشعة. كنت فيما مضى في الكلية اخشى الله كثيرا وأحبه والآن الحمد لله انتقبت بعد زواجي ولكن زوجي تغير سلوكه فقد كان أكثر التزاما في الخطوبة أصبح لا يميل للصلاة في المسجد ولا يقوم كثيرا لصلاة الفجر أخشى أن يكون ذلك من أثر فعلتي الفحشاء. فأفتوني يرحمكم الله هل علي أن أرد قيمة ما أخذت إلى هذا الرجل علما أني عرضت عليه ذلك أكثر من مرة فقال لي إنه أعطاني إياها على سبيل الهدية وأنا ما أراه إلا كان للأغراض الدنيئة التي كان يريدها وليتمكن من الاقتراب مني. فأخشى أن يكون داخل نفسه يريد ثمن هداياه ويتحرج من قول ذلك أم أعتمد على رفضه وقوله أنها هدية فماذا أفعل؟ وكيف أكفر عما فعله معي وأنا لا أرمى اللوم عليه أعلم أني أنا التي كنت أذهب إليه ولكني والله أريد التوبة من ذلك فكلما أتذكر ذلك أشعر أن الله لن يغفر لي لعظم ذنبي وأريد أن أعود إلى الله عودة تطهرني مما سبق دلوني كيف فأخشى أن أقابله وأنا هكذا؟ كنت قد حكيت لأحد مدرسي في الدورة عن هذا الموضوع لكنى لم أفصح له عن كل شيء حيث كنت محتاجة إلى من يسمعني فكتبت له ذلك عندما كنت أحادثه على الشات ولأني لم أكن أريد أن يسيء النظر في كنت أقول له إنها واقعة حدثت لأحد زميلاتي ولكني أعتقد انه يعرف أنها حادثتي أنا فهل هذا كان خطأ مني وهل هو من باب فضح النفس بعد ستر الله لها في المعصية؟ وكيف أحبب زوجي للمسجد وأنا أشعر أن نفسي سيئة ولست ملتزمة بجد؟ وهل علي أن أحكي له ما حدث ليقرر هل يكمل معي أم يتركني أم أسكت وأحاول أن أتقي الله فيه؟ فأشعر أن هذا الرجل ينظر إليه وكأنه زوج مخدوع في امرأته؟ وهل ما فعلت يعتبر من الزنا وكيف أكفر عنه ؟ دلوني يرحمكم الله، فأنا في امتحانات ولا أستطيع المذاكرة كلما تذكرت ذلك وما هي الأسباب المعينة على المذاكرة وعدم الكسل فأنا أنام كثيرا وأضيع الوقت وأخشى أني ممن لا يتقنون عملهم. وجزاكم الله خيرا كثيرا ووفقكم الله لما يحب ويرضى؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يخفى عليك أيتها السائلة أن هذا الرجل – مع فجوره وإجرامه وانتهاكه لحرمات ربه – ما كان ليفعل ما فعله معك إلا بمساعدتك له وتمكينك له من هذه الأفعال الشائنة المقيتة, ولا ندري أي أدوية أو مستلزمات تلك التي تدفعك للتفريط في دينك وعرضك وشرفك, خصوصا مع ما ذكرت أن كثيرا من هذه الأشياء لم تكوني تنتفعين بها, وإنما غيرك من أقاربك من كانوا ينتفعون بها فكنت والعياذ بالله ممن يبيع دينه بدنيا غيره, وما أعظمها من خسارة.
ولقد زين لك الشيطان سوء عملك فأراكه حسنا, وخدعك بأنك بهذا تجعلينه يتعلق بك ثم بعد ذلك تتركينه فتعظم حسراته, وهذا لا شك من خطوات الشيطان التي أمرنا الله سبحانه بالحذر منها في غير موضع من كتابه الحكيم, لكن هذا الفعل مع بشاعته لا يعتبر من الزنا الموجب للحد بل هو من مقدمات الزنا التي توجب التعزيز والتأديب, وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 5779.
ثم لم يزل بك الشيطان إلى أن أوقعك في زلة أخرى كان من الممكن أن تفتح الباب أمام فتنة أخرى بعد انتهاء الفتنة الأولى, ألا وهي ما قمت به من الحديث مع مدرس الدورة المذكور, ولا ندري كيف تتحدثين مع رجل أجنبي عنك في مثل هذه الأمور الحساسة, وهلا إذ ضاق صدرك بفعلك وأردت أن تنفسي عن نفسك أقول: هلا اخترت لذلك الغرض امرأة مثلك فاستنصحتيها؟
فعليك أيتها السائلة بالتوبة النصوح إلى الله جل وعلا, والاستغفار لذنبك, وترك معاملة الرجال الأجانب إلا بالقدر الذي تتطلبه الضرورة وتقتضيه الحاجة وبالضوابط الشرعية المبينة في الفتوى رقم: 24854.
وعليك بالاستكثار من الأعمال الصالحة المكفرة عسى الله أن يغفر زلتك ويقيل عثرتك.
وما أخذت من مال أو هدايا من هذا الرجل إن غلب على ظنك أنها كانت من أجل تلك العلاقة المحرمة، فإنه أخذ بباطل وبغير وجه شرعي لا يحل لك أكله والانتفاع به، لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ {النساء: 29}.
وفي هذه الحالة تتخلصين منه بصرفه على الفقراء والمساكين ووجوه الخير ومصالح المسلمين العامة.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: ومن باع خمراً لم يملك ثمنه، فإذا كان المشتري قد أخذ الخمر فشربها لم يجمع له بين العوض والمعوض، بل يؤخذ هذا المال ويصرف في مصالح المسلمين، كما قيل في مهر البغي وحلوان الكاهن وأمثال ذلك مما هو عوض عن عيب أو منفعة محرمة إذا كان العاصي قد استوفى العوض.
أما قولك :إنك تخافين ألا يتقبل الله توبتك فهذا لا يجوز؛ لأنه من سوء الظن بالله, وهو من الكبائر إذ الواجب على العبد أن يحسن الظن بمولاه وأن يظن بعد التوبة والاستقامة أن الله سيتقبل منه ويغفر له. قال تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}
جاء في تفسير ابن كثير: عن النعمان بن بشير في قوله:{ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } أن يذنب الرجل الذنب، فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } رواه ابن مَرْدويه.
وجاء فيه أيضا عن جماعة من السلف: إنها في الرجل يذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له، فيلقي بيده إلى التهلكة، أي: يستكثر من الذنوب فيهلك. انتهى.
أما بخصوص دعوة زوجك إلى الصلاة وشعائر الإسلام فإنها تجب عليك, ولو كنت مقصرة في بعض أوامر الله, لأنه لا يشترط في الناصح ولا في الآمر بالمعروف أن يكون كامل الاستقامة, جاء في تفسير ابن كثير عند قوله سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ {البقرة: 44} قال: وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها.
والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول له: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. وقال مالك: وصدق؛ من ذا الذي ليس فيه شيء؟ قلت: ولكنه -والحالة هذه- مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك. انتهى.
ولا يجوز لك أن تحدثي زوجك بما حدث معك؛ فإن فعلت فقد ارتكبت إثما ينضاف إلى جملة الآثام, وليس هذا من شروط التوبة ولا من مستحباتها بل هذا منهي عنه بصريح الأحاديث الصحيحة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
فيجب عليك أن تستري نفسك ولا تحدثي أحدا كائنا من كان بما ستر الله عليك.
أما بالنسبة للأسباب التي تعين على المذاكرة فأعظمها بعد الاستعانة بالله سبحانه التوبة والاستغفار فإن الذنوب لها تأثير عجيب في جلب الكسل والخمول وضعف الأبدان والأرواح.
جاء في كتاب الداء والدواء لابن القيم: قال عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق. ومنها أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لاتزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية. وأما وهنها للبدن فان المؤمن قوته من قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه. وأما الفاجر فانه وإن كان قوي البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه. انتهى.
وللفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 73289، 108152، 57809، 29410، 106635.
والله أعلم.