عنوان الفتوى : أحوال الصدقة والادخار والإنفاق على العيال
شخص يريد أن يتصدق ب5000ريال وهو لا يملك إلا 15000 وله راتب شهري وليس له مصدر رزق آخر وقد يترك عمله في أي وقت ولديه أسرة ويصرف على أهله كذلك ويساعد أخوات له متزوجات بشكل شهري عدا صدقات أخرى هل الأجر في الصدقة بكبر المبلغ فإذا تصدق بألف ريال او ألفين ووفر الباقي هل يقل هذا من أجره وما الأفضل أن يتصدق في شكل شهر بثلث ماله أو يتصدق بمبالغ أقل ويدخر لأولاده ما يعينهم على الحياة وما تفسير معنى قول الرسول اتركوهم أغنياء ولا تتركوهم فقراء وهل هناك مبلغ محدد للصدقة وهل التفكير بالادخار والتوفير خطأ خاصة إذا كان الأبناء أطفالا، أرجو أن تكون فكره
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أجر الصدقات يزداد بكبر المبلغ المتصدق به، فمن تصدق بخمسة آلاف محتسبا نرجو الله أن يجعل أجره أعظم مما إذا أنفق ألفين فقط إن لم يترتب على ذلك ضرر في نفسه أو عياله، وإذا أدى المسلم الزكاة الواجبة فلا حرج عليه في الادخار والتوفير لعياله فإن الإنفاق على العيال فيه أجر كثير، لمن أحسن النية، وابتغى وجه الله تعالى، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنة، وكان يقول: دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. رواه مسلم.
وقال: إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة. متفق عليه.
وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله. رواه مسلم.
قال المناوي في فيض القدير: ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجرا من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. انتهى.
ويدل لتقديم العيال ما في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص، وفيه: إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك.
وقال النووي في شرح هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس العالة الفقراء ويتكففون يسألون الناس في أكفهم ...وفي هذا الحديث حث على صلة الأرحام والاحسان إلى الأقارب والشفقة على الورثة وأن صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد. انتهى.
وقد نص العلماء على جواز إنفاق القوي المكتسب ثلث أو نصف أو جميع ماله، إن لم يؤد ذلك لضرر في نفسه أو عياله لما في الحديث عن عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك عندي مالا فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما. قال: فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟ فقلت مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال يا أبا بكر ؟ ما أبقيت لأهلك؟. فقال أبقيت لهم الله ورسوله . قلت لا أسبقه إلى شيء أبدا. رواه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني .
وفي حديث مسلم: بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبد الله ما اسمك قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له يا عبد الله لم تسألني عن اسمي فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول أسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه. فمن كان مكتسبا قوي الثقة بالله تعالى وبإخلافه على المتصدق فلا حرج في أن يقتدي بأبي بكر في إنفاق ماله، أما من لم يكن كذلك فالأولي به أن يترك له ولعياله ما يستعفون به عن التعلق بما عند الناس، ففي الصحيحين عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله , إن من توبتي : أن أنخلع من مالي , صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك.
قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة : فيه دليل على أن إمساك ما يحتاج إليه من المال أولى من إخراج كله في الصدقة . وقد قسموا ذلك بحسب أخلاق الإنسان , فإن كان لا يصبر على الإضاقة كره له أن يتصدق بكل ماله , وإن كان ممن يصبر: لم يكره . انتهى.
وقال البخاري في صحيحه: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاج أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، إلا أن يكون معروفا بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر رضي الله عنه حين تصدق بماله وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، وقال كعب رضي الله عنه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم قال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر .
وقد أسند البخاري في هذا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول .
قال النووي في شرح هذا الحديث: معناه أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيا بما بقي معه وتقديره أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها ويستظهر به على مصالحه وحوائجه وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله لأن من تصدق بالجميع يندم غالبا أو قد يندم إذا احتاج ويود أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنيا فإنه لا يندم عليها بل يسر بها، وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضافة والفقر، فان لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه، قال القاضي جوز جمهور العلماء وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ماله وقيل يرد جميعها وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل ينفذ في الثلث هو مذهب أهل الشام، وقيل إن زاد على النصف ردت الزيادة وهو محكي عن مكحول قال أبو جعفر والطبري ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله وأن يقتصر على الثلث. انتهى.
وراجع للمزيد في هذا الفتوى رقم: 114410.
والله أعلم.