عنوان الفتوى : التصدق بجميع المال في ميزان الشرع
كيف أترجم الحديث في هذا العصر عندما يقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ماذا أبقيت لأهلك يا عمر يقول عمر رضي الله عنه نصف مالي وعندما يسال الرسول أبا بكر ماذا أبقيت لأهلك يقول الله ورسوله هل يستطيع إنسان أن يطبق هذا الحديث في هذا الزمان؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث المشار إليه رواه أبو داود والترمذي كما بيناه في الفتوى رقم: 97157، وأما هل يستطيع إنسان أن يفعل ما فعله أولئك الصحابة الكرام فنقول ابتداء إن الحديث تضمن أمرين:
الأول: التصدق بنصف المال كما فعل عمر رضي الله عنه وهذا جائز شرعا فيجوز للعاقل البالغ أن يتصدق بنصف ماله في غير مرضه المخوف وتمضي الصدقة ويؤجر عليها إن أراد بها وجه الله.
الثاني: التصدق بجميع المال كما فعل أبو بكر رضي الله عنه، وقد نص العلماء على جواز إنفاق القوي المكتسب جميع ماله في غير مرضه المخوف استدلالا بهذا الحديث، ولكن بشروط قال الحافظ في الفتح: قال الجمهور: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه وكان صبورا على الإضاقة ولا عيال له أو عيال يصبرون أيضا فهو جائز فإن فقد شيء من هذه الشروط كره. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: فإن كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم فأراد الصدقة بجميع ماله، وكان ذا مكسب أو كان واثقا من نفسه يحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألة فحسن.. انتهى.
ولا تخلو الأمة إن شاء الله من رجال يقتدون بأبي بكر وعمر في البذل والصدقة في سبيل الله، ولكن إن كان الرجل ذا عيال أو نحو ذلك فإن الأفضل له أن لا يتصدق بكل ماله، ويشهد لذلك أنه لما تاب الله على كعب بن مالك رضي الله عنه كما في قصة الثلاثة الذين خلفوا قال كعب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم قال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. متفق عليه.
هذا من حيث الحكم الشرعي في المسألة، وأما من حيث الاستطاعة القلبية فإنه يخضع لمدى قوة إيمان الشخص وثقته بما عند الله وزهده في الدنيا.
والله أعلم.