عنوان الفتوى : العفو عن القريب الظالم
كان قريب مثلي الأعلى ظلمني وإلى الآن لم يرفع الظلم عني، أمي تطلب مني أن أرجع العلاقة كما كانت لأننا في رمضان وأنا أقول لها إذا قابلته صدفة سأكلمه ، أي علاقة سطحية ولكن ليس كما كانت أي يدخل بيتي يأكل ويتسامر، فهل بذلك علي إثم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأفضل لمن وقع عليه الظلم والأذى والإهانة من الناس أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين العافين عن الناس، ويفوز بمعية الله وعونه، كما قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133-134}، وقال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}، وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {النــور:22}، وفي صحيح مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فالواجب عليك هو المسارعة إلى إزالة ما بينك وبين قريبك هذا من خصام ومشاحنات لأن فساد ذات البين هي الحالقة كما سماها رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة, لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.
وخصوصا أنه من أرحامك وصلة الأرحام من أعظم الواجبات، لقوله سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء:1}، أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقطعها من أعظم المحرمات، لقوله سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وتقطعوا أرحامكم* أولَئكَ الَّذِينَ لَعنهم الله فأصمهمْ وأعمى أبصارَهُمْ {محمد:22-23}، وليس الواصل الذي يصل من وصله، ويحسن إلى من أحسن إليه فحسب، فهذا مكافأة وإنما الواصل الذي يصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
والأصل أنه يحرم هجران المسلم عموما -الأرحام وغيرهم- فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري.
وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.
بل قد جاء وعيد شديد فيمن هجر أخاه سنة فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. صححه الألباني.
واعلمي أن ما أوصيناك به من العفو والصفح هو الأفضل وإن كان يشرع للمظلوم أن ينتصر من ظالمه، لقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عليكم {البقرة:194}.
وفي النهاية ننبهك على أمر هام وهو أن قريبك هذا إذا لم يكن من محارمك فإن هناك ضوابط شرعية للتعامل معه بيناها بالتفصيل في الفتوى رقم: 58132 فعليك بمراجعتها، وللفائدة في الموضوع أكثر تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 42026، 29211، 16726.
والله أعلم.