عنوان الفتوى : الوصية بصرف المال على القبر والمناسبات البدعية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ترك جدي قطعة أرض وطلب بعد مماته أن يصرف منها على قبره ليعرف فيزار وعلى شراب القهوة و قراءة القرآن في الجامع و المناسبات وقاموا ببيعها ووزعت الأموال فما رأي الدين في ذلك علما بأن البعض عليهم ديون فأخذوا النقود وسددوا ما عليهم فما الحكم؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي فهمناه من سؤالك أن لهذه الأرض عائدا ماليا أو أن جدك أوصى أنها تباع ثم يجعل ثمنها في إقامة الاحتفالات المتعلقة به بعد موته؛ مثل ذكرى الأربعين أو الذكرى السنوية أو غير ذلك من صور إحياء الذكرى وإقامة التأبين والعزاء المتجدد وإقراء القرآن في المسجد ونحوه لأجل ذلك، وزيارة قبره والتعريف به في مناسبات خاصة،وعليه فما أوصى به جدك يعتبر وصية باطلة لما تضمنته من بدع كالاجتماع عند القبر والاحتفال به  وإطعام الطعام عنده وإقراء القران في مناسبات معينة وإعطاء الأجر على ذلك إذ هو إما  من قبيل النياحة على الميت أو المفاخرة وكلاهما مذموم ومنهي عنه؛ فعن جرير بن عبد الله البجلي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع أهل الميت طعامًا لمن جاءهم بعد الدفن من النياحة. رواه احمد بسند جيد

وجاء في شرح الطحاوية لابن أبي العز:

وفي الاختيار: لو أوصى بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره، فالوصية باطلة، لأنه في معنى الأجرة، انتهى.

وفي الفتاوى الهندية على المذهب الحنفي: وإذا أوصى أن يدفع إلى إنسان كذا من ماله ليقرأ القرآن على قبره فهذه الوصية باطلة. انتهى.

وفيها أيضا:

وَلَوْ أَوْصَى بِاِتِّخَاذِ الطَّعَامِ لِلْمَأْتَمِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيُطْعَمُ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَحِلُّ لِلَّذِينَ يَطُولُ مَقَامُهُمْ عِنْدَهُ وَلِلَّذِي يَجِيءُ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي لَا يَطُولُ مَسَافَتُهُ وَلَا مَقَامُهُ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ شَيْءٌ كَثِيرٌ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَضْمَنُ.

وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُتَّخَذَ الطَّعَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالُوا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.

وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِ الْمُصِيبَةِ وَالْأَكْلِ عِنْدَهُمْ قَالَ: حَمْلُ الطَّعَامِ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمُصِيبَةِ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا حَمْلُ الطَّعَامِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُسْتَحَبُّ ؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَجْتَمِعُ النَّائِحَاتُ فَإِطْعَامُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.اهـ

وقال البعلي في الاختيارات العلمية لشيخ الإسلام رحمه الله:

 وإخراج الصدقة مع الجنازة بدعة مكروهة وهي تشبه الذبح عند القبر ولا يشرع شيء من العبادات عند القبور الصدقة وغيرها.اهـ

وفي فتاوى الأزهر أفتى شيخ الأزهر السابق حسنين مخلوف رحمه الله لما سئل عن إقامة مأتم الأربعين بما يأتي:

يحرص كثير من الناس الآن على إقامة مأتم ليلة الأربعين لا يختلف عن مأتم يوم الوفاة، فيبلغون عنه في الصحف ويقيمون له السرادقات، ويحضرون القراء وينحرون الذبائح.

ويفد المعزون فيشكر منهم من حضر ويلام من تخلف ولم يعتذر وتقيم السيدات بجانب ذلك مأتما آخر في ضحوة النهار للنحيب والبكاء وتجديد الأسى والعزاء.

ولا سند لشيء من ذلك في الشريعة الغراء، فلم يكن من هدي النبوة ولا من عمل الصحابة ولا من المأثور عن التابعين بل لم يكن معروفا عندنا إلى عهد غير بعيد

وإنما هو أمر استحدث أخيرا ابتداعا لا اتباعا وفيه من المضار ما يوجب النهى عنه

فيه التزام عمل ممن يقتدى بهم وغيرهم، ظاهره أنه قربة وبر، حتى استقر في أذهان العامة أنه من المشروع في الدين

 وفيه إضاعة الأموال في غير وجهها المشروع، في حين أن الميت كثيرا ما يكون عليه ديون أو حقوق الله تعالى أو للعباد لا تتسع موارده للوفاء بها مع تكاليف هذا المأتم، وقد يكون الورثة في أشد الحاجة إلى هذه الأموال، ومع هذا يقيمون مأتم الأربعين استحياء من الناس ودفعا للنقد، وكثيرا ما يكون في الورثة قصر يلحقهم الضرر بتبديد أموالهم في هذه البدعة.

وفيه مع ذلك تكرير العزاء وهو غير مشروع لحديث (التعزية مرة) لهذا وغيره من المفاسد الدينية والدنيوية أهبنا بالمسلمين أن يقلعوا عن هذه العادة الذميمة التي لا ينال الميت منها رحمة أو مثوبة.

بل لا ينال الحي منها سوى المضرة إذا كان القصد مجرد التفاخر والسمعة أو دفع الملامة والمعرة.

وأن يعلموا أنه لا أصل لها في الدين قال تعالى { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر:... [الحشر:7]. اه

وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

الاجتماع عند مضي أربعين يومًا على وفاة الميت بدعة، وقراءة القرآن أو ما يسمى بالختمة للميت بدعة ثانية، وأكل هؤلاء القراء ما قدم لهم من الطعام وأخذهم الأجرة على القراءة حرام.

وعلى ما سبق فلا حرج فيما فعله من أشرت إليهم إذا كنت تقصد بهم الورثة الشرعيين ؛ لأنهم إنما تصرفوا في مالهم بحق وأدوا واجبا ومنعوا باطلا ؛ فلا شيء عليهم، بل ويؤجرون إن كانوا قصدوا ذلك واحتسبوه.

والله أعلم.