الصومال الجريح


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.

أما بعــد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأعتذر إليكم عن هذا التأخير الذي كان لأسباب خارجة عن إرادتي، ثم إنني في هذه الليلة ليلة الأربعاء، العاشر من رمضان، كنت قد زورت لكم حديثاً عنوانه اعترافات مذنب.

ثم بدا أمر جديد دعاني إلى تأجيل هذا الموضوع إلى ليلة غد، أما في هذه الليلة فسيكون حديثي إليكم حديثاً سريعاً قصيراً عن جرح من جراحات المسلمين، عن الصومال الجريح.

والذي دعاني إلى هذا الموضوع أمور هي:

التجاوب والتبرعات

أولها: ما رأيته منكم من التجاوب الكبير، فإن مجموع التبرعات، التي بذلتموها كان رقماً طيباً جداً، فقد وصلت إلى ما يزيد على مائتي ألف ريال، فجزاكم الله تعالى خيراً، وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يرزقكم خيراً مما أنفقتم، وأن يبارك لكم فيما أعطاكم، وأن يكثر في المسلمين من أمثالكم، وأن يزيدكم جوداً وكرماً وإيماناً، إنه على كل شيء قدير.

لم يكن الفرح بهذا العطاء لمجرد؛ أنه عطاء، فإن ثرياً واحداً، ربما يعطي أضعاف أضعاف هذا المبلغ، ولكن الفرح كان أكثر بتجاوبكم، وشعوركم بالمسئولية ومشاركتكم، فإن الواحد يعلم أنه لم يكن أحداً منكم، لا من ذكرانكم ولا من إناثكم، مستعداً للمشاركة، وربما فوجئ بذلك الطلب، ومع هذا حصل هذا الخير الكثير، فأسأل الله تعالى أن يجزيكم خيراً.

التقارير التي تصف المأساة في الصومال

الأمر الثاني: الذي دعاني ويدعوني الآن إلى طرح موضوع الصومال الجريح، هو مجموعة من التقارير التي جاءت من هناك، وكلكم علمتم بالمأساة التي نـزلت بإخوانكم، نـزلت بما يزيد على ثلاثة عشر مليوناً موزعين بين الصومال وجيبوتي لم يكن بينهم نصراني واحد، بل ثلاثة عشر مليوناً كانوا في البادية، يدعون الله تعالى أن يتوفاهم، قبل أن يروا بعيونهم نصرانياً واحداً، وكانوا إذا شرب النصراني في الإناء، فإنهم يغسلونه سبع مرات كما يغسلون الإناء إذا ولغ فيه الكلب، كانوا يستعظمون أن يروا رجلاً كافراً بالله تعالى، يمشي على وجه الأرض، بلادهم مليئة بالمساجد، على حين لم يكن يوجد فيها كنيسة واحدة.

ولذلك كانوا هدفاً للنصارى، فسعوا وخططوا واستغلوا أزمات المسلمين، ومزقوا بلادهم، حتى كانت الكارثة الأخيرة، وحينئذ شمرت المنظمات النصرانية عن ساعد الجد، وذهبت عشرات المنظمات من أشهرها منظمة أطباء بلا حدود، وهي منظمة نصرانية، وكذلك الصليب الأحمر، ووكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الرجالية والنسائية النصرانية، التي أصبحت تستقبل المسلمين رجالاً، ونساءً، وأطفالاً، وتأخذهم وتذهب بهم إلى بلاد الكفر، حتى هاجر من الصومال ما يزيد على مليوني إنسان غالبيتهم من الشباب، رجالاً ونساءً فتياناً وفتيات ذهبوا إلى بلاد الكفر، ليحصلوا هناك على الجنسيات على المرتبات، ويحصلوا على سكن مجاني، ويحصلوا على كل المميزات، وإذا جاءوا يبحثون عن بلاد المسلمين، لم يجدوا البلد الذي يؤويهم، وأستطيع أن أقول وأنا مطمئن: ليس هناك دولة واحدة من دول المسلمين من أعلنت استعدادها لاستقبال عدد من الصوماليين قل أو كثر، بل إن مجرد الزيارة كان أمراً صعباً، فإذا أراد الإنسان أن يذهب إلى عمرة أو إلى زيارة، أو إلى إقامة مؤقتة في أي بلد إسلامي، فإن أهون ما يقال له: إن جوازك مزور، ووثائقك غير مضبوطة، ولذلك نحن نعتذر إليك.

إنها لكارثة؛ أن يجد اليهود في دولتهم المسماة بإسرائيل، فرصة للعمل في أوساط المسلمين، وأن يوزعوا الأدوية المختوم عليها بختم دولة إسرائيل، ويوزعوا الإعانات والإعانات، ويحضروا المؤتمرات، التي يقيمها المسلمون، ويسعوا إلى الإيقاع بين الصوماليين وبين العرب، فيقولون للصوماليين: إن العرب يحتقرونكم ويزدرونكم، وينظرون إليكم نظرة دونية، ولا يقيمون لكم وزناً، وينشر هذا في عدد من المطبوعات، التي تروج بين إخواننا في الصومال. وأن يجد النصارى فرصتهم السانحة في العمل الإغاثي الإنساني، في ظاهره والعمل التنصيري في حقيقته، وأن يكون المسلمون هم آخر من يتحرك لغوث إخوانهم.

ثم تأتي الطامة الكبرى، يوم دخلت قوات الغزو الأجنبي القوات الأمريكية إلى الصومال بقوتها وأعدادها وعتادها، دخلت ودعواها أنها تغيث المسلمين، تفض الخصومات بينهم، أما حقيقتها فهي غزو مبطن لهذا البلد، ليس للـالصومال فحسب، بل للقارة الأفريقية بأكملها، فهي نوع من الضربة الوقائية، ليطمئن الغرب إلى أن الإسلام الأصولي لن يكون له وجود يذكر في إفريقيا السوداء، وأن مضيق باب المندب وغيره سيكون مؤمناً، وأن الوجود الغربي سيكون قريباً من مناطق العمليات في الشرق الأوسط، وأمس -بالذات- أعلن الرئيس الأمريكي الجديد أن القوات الأمريكية، في منطقة الصومال، وفي منطقة الخليج، سوف يكون لها طابع المرابطة الطويلة الأمد.

نعم هذا كنا نعرفه من قبل، حتى كانوا يعلنون أن إقامتهم في الصومال، لن تتجاوز أربعة أشهر أو ستة أشهر، وأن وجودهم سوف يكون محصوراً بألف أو ألفين، فقد تفاقم العدد وأصبح بعشرات الألوف، وأعلنوا صراحة أن وجودهم سوف يتخذ طابع المرابطة الطويلة.

أيها الإخوة ... ذلك الصومالي، الذي كان بالأمس يكره أن ينظر في وجه الكافر، أو يشرب بعده، أصبح اليوم يسمع -وفي المسجد الجامع الكبير- رجلاً من ضحايا الغزو الغربي السافر الكافر، مثل بعض بني جلدتنا الذين أصبحوا يتكلمون عن العداوة للغربيين على أنها من أدبيات القرن الماضي، كما قال رئيس تحرير إحدى المجلات الإسلامية، جبر الله عزاءنا وعزاءكم، أصبحت العداوة للغربي الكافر من أدبيات القرن الماضي، كيف والقرآن الكريم يصرح بعداوتهم؟! كيف والسنة النبوية مليئة بذلك؟! إنها الهزيمة النفسية.

يقوم رجل من المنتسبين إلى الإسلام، على منبر الجمعة بعد الصلاة، في جامع من الجوامع الشهيرة وفي هذا العام بالذات، في مدينة بيدوا الصومالية، ويقول: أيها الناس أيها المسلمون أنتم ترون حالنا وما حل بنا من المجاعة نتيجة الحروب الأهلية والقبلية، ولقد رأيتم أنه لم يهتم بنا أحدٌ من إخواننا المسلمين، لا من العرب ولا من العجم، ولقد لاحظتم أن الذين هبوا لنصرتنا وإغاثتنا هم النصارى وعلى رأسهم الأمريكان، وبقية الدول الأوروبية، ثم يقول: علينا نحن كشعب قاسى من الحروب والويلات، ألا نعتبر أن المسيحية عدو لنا، -هذا تعبيره- أو أن المسيحية دين محرف وأننا نخافه، بل يجب علينا، أن نأخذ منهم المساعدات، بقلوب مطمئنة ونية صادقة، وأن لا نعتبرهم أعداءً؛ لأنهم أرحم بنا من المسلمين، وبما أن جميع الأديان السماوية والمسيحية من أول الأديان السماوية فهي أرحم دين ساعدنا، ومعتنقوا هذا الدين هم أرحم الناس بنا، فما الحرج من أن يعتنق بعضنا هذا الدين الرحيم، الذي أثبت ذلك للعالم بمواقفه معنا ومع جميع المتضررين في العالم!!

انظروا من الذي يقف مع المسلمين في البوسنة والهرسك إلا الهيئات النصرانية؟ من الذي يقف مع المسلمين المبعدين في فلسطين إلا الصليب الأحمر الدولي؟ من الذي يقف مع الصوماليين إلا النصارى؟ فالمطلوب منكم -هكذا يقول- ترك الناس وشأنهم، كل يختار الدين الذي يحبه ويرتاح إليه لا إكراه في الدين.

انظر إلى البعد الشاسع والتأثير العظيم، ذلك المسلم صاحب الفطرة الذي كان يقرأ القرآن الكريم، فيعرف أن المسلم هو أخوه حيث كان، وأن الكافر عدوه مهما كان، فيترتب على ذلك أن يحب المسلمين ويبغض الكفار لا يزال الكفار به، يعملون له الأعمال، ويخططون له الأحاييل، حتى يوجد من بين المسلمين، من تكون هذه نظرته وهذا منطقه.

أيها الإخوة.. لا أريد أن تتصوروا أن شعب الصومال تحول إلى مجموعة، من المنهزمين وضعفاء الإيمان، والمغترين بالنصارى، كلا! فإن هذا الشعب، يشهد صحوة إسلامية قوية جداً، في الجنوب والشمال على حد سواء، وفيما يسمى بـجمهورية أرض الصومال مثلاً، فقد وجد اجتماع ومؤتمر عام لا يزال معقوداً إلى الآن، وكانت أهم قرارات هذا المؤتمر ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، وهناك المساجد مليئة بالمصلين والحمد لله، والشباب الدعاة إلى الله تعالى، لهم نشاط منقطع النظير، والعلماء والمشايخ الآن هم الذين أثبتوا أنهم قادرون على ضبط الأمن، والقضاء على اللصوص وعلى المجرمين، فالإسلام، هو مستقبل الصومال، وشعب الصومال شعب مسلم مهما عملوا، ولكن هذا لا يمنع من وجود العلمانيين والمنهزمين، وضعفاء الإيمان والمتأثرين، بل والذين شريت ضمائرهم من قبل الغرب، فيستغلون بعض الظروف وبعض الأوضاع.

أولها: ما رأيته منكم من التجاوب الكبير، فإن مجموع التبرعات، التي بذلتموها كان رقماً طيباً جداً، فقد وصلت إلى ما يزيد على مائتي ألف ريال، فجزاكم الله تعالى خيراً، وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يرزقكم خيراً مما أنفقتم، وأن يبارك لكم فيما أعطاكم، وأن يكثر في المسلمين من أمثالكم، وأن يزيدكم جوداً وكرماً وإيماناً، إنه على كل شيء قدير.

لم يكن الفرح بهذا العطاء لمجرد؛ أنه عطاء، فإن ثرياً واحداً، ربما يعطي أضعاف أضعاف هذا المبلغ، ولكن الفرح كان أكثر بتجاوبكم، وشعوركم بالمسئولية ومشاركتكم، فإن الواحد يعلم أنه لم يكن أحداً منكم، لا من ذكرانكم ولا من إناثكم، مستعداً للمشاركة، وربما فوجئ بذلك الطلب، ومع هذا حصل هذا الخير الكثير، فأسأل الله تعالى أن يجزيكم خيراً.

الأمر الثاني: الذي دعاني ويدعوني الآن إلى طرح موضوع الصومال الجريح، هو مجموعة من التقارير التي جاءت من هناك، وكلكم علمتم بالمأساة التي نـزلت بإخوانكم، نـزلت بما يزيد على ثلاثة عشر مليوناً موزعين بين الصومال وجيبوتي لم يكن بينهم نصراني واحد، بل ثلاثة عشر مليوناً كانوا في البادية، يدعون الله تعالى أن يتوفاهم، قبل أن يروا بعيونهم نصرانياً واحداً، وكانوا إذا شرب النصراني في الإناء، فإنهم يغسلونه سبع مرات كما يغسلون الإناء إذا ولغ فيه الكلب، كانوا يستعظمون أن يروا رجلاً كافراً بالله تعالى، يمشي على وجه الأرض، بلادهم مليئة بالمساجد، على حين لم يكن يوجد فيها كنيسة واحدة.

ولذلك كانوا هدفاً للنصارى، فسعوا وخططوا واستغلوا أزمات المسلمين، ومزقوا بلادهم، حتى كانت الكارثة الأخيرة، وحينئذ شمرت المنظمات النصرانية عن ساعد الجد، وذهبت عشرات المنظمات من أشهرها منظمة أطباء بلا حدود، وهي منظمة نصرانية، وكذلك الصليب الأحمر، ووكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الرجالية والنسائية النصرانية، التي أصبحت تستقبل المسلمين رجالاً، ونساءً، وأطفالاً، وتأخذهم وتذهب بهم إلى بلاد الكفر، حتى هاجر من الصومال ما يزيد على مليوني إنسان غالبيتهم من الشباب، رجالاً ونساءً فتياناً وفتيات ذهبوا إلى بلاد الكفر، ليحصلوا هناك على الجنسيات على المرتبات، ويحصلوا على سكن مجاني، ويحصلوا على كل المميزات، وإذا جاءوا يبحثون عن بلاد المسلمين، لم يجدوا البلد الذي يؤويهم، وأستطيع أن أقول وأنا مطمئن: ليس هناك دولة واحدة من دول المسلمين من أعلنت استعدادها لاستقبال عدد من الصوماليين قل أو كثر، بل إن مجرد الزيارة كان أمراً صعباً، فإذا أراد الإنسان أن يذهب إلى عمرة أو إلى زيارة، أو إلى إقامة مؤقتة في أي بلد إسلامي، فإن أهون ما يقال له: إن جوازك مزور، ووثائقك غير مضبوطة، ولذلك نحن نعتذر إليك.

إنها لكارثة؛ أن يجد اليهود في دولتهم المسماة بإسرائيل، فرصة للعمل في أوساط المسلمين، وأن يوزعوا الأدوية المختوم عليها بختم دولة إسرائيل، ويوزعوا الإعانات والإعانات، ويحضروا المؤتمرات، التي يقيمها المسلمون، ويسعوا إلى الإيقاع بين الصوماليين وبين العرب، فيقولون للصوماليين: إن العرب يحتقرونكم ويزدرونكم، وينظرون إليكم نظرة دونية، ولا يقيمون لكم وزناً، وينشر هذا في عدد من المطبوعات، التي تروج بين إخواننا في الصومال. وأن يجد النصارى فرصتهم السانحة في العمل الإغاثي الإنساني، في ظاهره والعمل التنصيري في حقيقته، وأن يكون المسلمون هم آخر من يتحرك لغوث إخوانهم.

ثم تأتي الطامة الكبرى، يوم دخلت قوات الغزو الأجنبي القوات الأمريكية إلى الصومال بقوتها وأعدادها وعتادها، دخلت ودعواها أنها تغيث المسلمين، تفض الخصومات بينهم، أما حقيقتها فهي غزو مبطن لهذا البلد، ليس للـالصومال فحسب، بل للقارة الأفريقية بأكملها، فهي نوع من الضربة الوقائية، ليطمئن الغرب إلى أن الإسلام الأصولي لن يكون له وجود يذكر في إفريقيا السوداء، وأن مضيق باب المندب وغيره سيكون مؤمناً، وأن الوجود الغربي سيكون قريباً من مناطق العمليات في الشرق الأوسط، وأمس -بالذات- أعلن الرئيس الأمريكي الجديد أن القوات الأمريكية، في منطقة الصومال، وفي منطقة الخليج، سوف يكون لها طابع المرابطة الطويلة الأمد.

نعم هذا كنا نعرفه من قبل، حتى كانوا يعلنون أن إقامتهم في الصومال، لن تتجاوز أربعة أشهر أو ستة أشهر، وأن وجودهم سوف يكون محصوراً بألف أو ألفين، فقد تفاقم العدد وأصبح بعشرات الألوف، وأعلنوا صراحة أن وجودهم سوف يتخذ طابع المرابطة الطويلة.

أيها الإخوة ... ذلك الصومالي، الذي كان بالأمس يكره أن ينظر في وجه الكافر، أو يشرب بعده، أصبح اليوم يسمع -وفي المسجد الجامع الكبير- رجلاً من ضحايا الغزو الغربي السافر الكافر، مثل بعض بني جلدتنا الذين أصبحوا يتكلمون عن العداوة للغربيين على أنها من أدبيات القرن الماضي، كما قال رئيس تحرير إحدى المجلات الإسلامية، جبر الله عزاءنا وعزاءكم، أصبحت العداوة للغربي الكافر من أدبيات القرن الماضي، كيف والقرآن الكريم يصرح بعداوتهم؟! كيف والسنة النبوية مليئة بذلك؟! إنها الهزيمة النفسية.

يقوم رجل من المنتسبين إلى الإسلام، على منبر الجمعة بعد الصلاة، في جامع من الجوامع الشهيرة وفي هذا العام بالذات، في مدينة بيدوا الصومالية، ويقول: أيها الناس أيها المسلمون أنتم ترون حالنا وما حل بنا من المجاعة نتيجة الحروب الأهلية والقبلية، ولقد رأيتم أنه لم يهتم بنا أحدٌ من إخواننا المسلمين، لا من العرب ولا من العجم، ولقد لاحظتم أن الذين هبوا لنصرتنا وإغاثتنا هم النصارى وعلى رأسهم الأمريكان، وبقية الدول الأوروبية، ثم يقول: علينا نحن كشعب قاسى من الحروب والويلات، ألا نعتبر أن المسيحية عدو لنا، -هذا تعبيره- أو أن المسيحية دين محرف وأننا نخافه، بل يجب علينا، أن نأخذ منهم المساعدات، بقلوب مطمئنة ونية صادقة، وأن لا نعتبرهم أعداءً؛ لأنهم أرحم بنا من المسلمين، وبما أن جميع الأديان السماوية والمسيحية من أول الأديان السماوية فهي أرحم دين ساعدنا، ومعتنقوا هذا الدين هم أرحم الناس بنا، فما الحرج من أن يعتنق بعضنا هذا الدين الرحيم، الذي أثبت ذلك للعالم بمواقفه معنا ومع جميع المتضررين في العالم!!

انظروا من الذي يقف مع المسلمين في البوسنة والهرسك إلا الهيئات النصرانية؟ من الذي يقف مع المسلمين المبعدين في فلسطين إلا الصليب الأحمر الدولي؟ من الذي يقف مع الصوماليين إلا النصارى؟ فالمطلوب منكم -هكذا يقول- ترك الناس وشأنهم، كل يختار الدين الذي يحبه ويرتاح إليه لا إكراه في الدين.

انظر إلى البعد الشاسع والتأثير العظيم، ذلك المسلم صاحب الفطرة الذي كان يقرأ القرآن الكريم، فيعرف أن المسلم هو أخوه حيث كان، وأن الكافر عدوه مهما كان، فيترتب على ذلك أن يحب المسلمين ويبغض الكفار لا يزال الكفار به، يعملون له الأعمال، ويخططون له الأحاييل، حتى يوجد من بين المسلمين، من تكون هذه نظرته وهذا منطقه.

أيها الإخوة.. لا أريد أن تتصوروا أن شعب الصومال تحول إلى مجموعة، من المنهزمين وضعفاء الإيمان، والمغترين بالنصارى، كلا! فإن هذا الشعب، يشهد صحوة إسلامية قوية جداً، في الجنوب والشمال على حد سواء، وفيما يسمى بـجمهورية أرض الصومال مثلاً، فقد وجد اجتماع ومؤتمر عام لا يزال معقوداً إلى الآن، وكانت أهم قرارات هذا المؤتمر ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، وهناك المساجد مليئة بالمصلين والحمد لله، والشباب الدعاة إلى الله تعالى، لهم نشاط منقطع النظير، والعلماء والمشايخ الآن هم الذين أثبتوا أنهم قادرون على ضبط الأمن، والقضاء على اللصوص وعلى المجرمين، فالإسلام، هو مستقبل الصومال، وشعب الصومال شعب مسلم مهما عملوا، ولكن هذا لا يمنع من وجود العلمانيين والمنهزمين، وضعفاء الإيمان والمتأثرين، بل والذين شريت ضمائرهم من قبل الغرب، فيستغلون بعض الظروف وبعض الأوضاع.

لنعد قليلاً إلى طريقة القرآن الكريم والسنة النبوية في تقرير مبدأ الإخوة الإسلامية.

الإسلام هو الفرق بين الناس

إنك تعجب وأنت تقرأ في القرآن الكريم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فتدرك أن الله تعالى لم يفرق بين الناس بألوانهم ولا ببلدانهم ولا بقبائلهم، وإنما جعل الإسلام هو الفرق بين الناس، فمحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس، من أسلم وآمن فهو أخونا، له مالنا وعليه ما علينا، ومن كفر فهو العدو اللدود، ولو كان أخوك لأبيك وأمك، ولو كان من جلدتك ولو كان من بلدك، فنحن لا نعترف بحدود الجاهلية ولا نعتبر أن الأخوة هي الأخوة الوطنية أو الأخوة القبلية أو الأخوة العرقية.

كلا، وألف كلا، الأخوة: هي أخوة الدين والإيمان، أما أخوة الدم وأخوة النسب وأخوة الوطن، فكل هذه الأشياء نجعلها تحت أقدامنا، متى تعارضت مع أخوة الدين، مع الولاء والبراء الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل قريشاً تنقسم إلى قسمين: مؤمنين وكفار والمؤمنون يعتبرون أن سلمان الفارسي وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وفلان الأوسي أو الخزرجي الأنصاري أنهم هم إخوانهم، أما أخوه القرشي من قبيلته ومن بلده بل وربما من أبيه وأمه، فإنه يواجهه لا أقول بالكلمة القوية بل حتى بالسيف في ميدان المعارك.

كم أب حارب في الله ابنه     وكم أخ حارب في الله أخاه

يقول: مصعب بن عمير لأخيه عزيز بن عمير: رآه وهو يؤسر فقال مصعب للأنصاري: اشدد وثاقه، فإن أمه امرأة غنية تفتديه منك بأغلى الأثمان، فقال: يا أخي، فهذه وساتك بي قال مصعب: كذبت لست بأخي هذا أخي -يعني الأنصاري- هذا أخي دونك.

نعم إنها أخوة الدين والإيمان التي نسوا في ظلها كل معنى آخر للإخاء غير إخاء العقيدة، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] ثم تنتقل إلى السنة النبوية وهذه نماذج فتجد أنه صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه} البنيان في حالة القوة كل لبنة تشد الأخرى وتقويها فإنك تلحظ أن اللبنة بذاتها قد يجملها الطفل وقد يكسرها، لكنها إذا كونت جدارا يشد بعضه بعضا ويقوي بعضه بعضا فإنه يقف في وجه العواصف والأعاصير ولا يستطيع أحد أن يزيله، فهذا في حال القوة فالقوة لا تجعل المؤمنين ينقسمون على أنفسهم أو يتحاربون فيما بينهم أو يضرب بعضهم بعضا أو يدمر بعضهم بعضا.

فما هو الأمر في حال الضعف؟ في حال الضعف يعبر عن ذلك الحديث الآخر العظيم حديث النعمان بن بشير وقد رواه مسلم في صحيحه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر} إنه جسد اشتكى منه عضو بالحمى ارتفاع الحرارة بالمرض بالألم فلا يظل هذا الجرح أو هذا العضو يألم وبقية الجسد لا يتألم، بل يكون الجسد كله يتداعى له، إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإذا اشتكت يده اشتكى كله وإذا اشتكت عينه اشتكى كله هذا هو الإيمان.

تذوب حشاشات العواصم حسرة     إذا دميت في كف بغداد إصبع

ولو أن بردى أنت لخطب أصابها     لسالت بوادي النيل للنيل أدمع

أين نحن من الأخوة الإيمانية الحقيقية

أيها الإخوة... أنحن ندري معنى الأخوة الإيمانية الحقيقية؟! أنحن نألم لآلام إخواننا؟! كلا والله، بل إنني أقول: أي معنى لأخوة نظرية، نقولها بألسنتنا في كثير من الأحيان، وندعي أننا إخوان للمسلمين في كل مكان، وأننا أعداء للكافرين، ثم تجد أن المسلم يصيح ويستغيث ويستنصر، فلا يهب لنصرته ونجدته إخوانه المؤمنون، بل يسارع أعداء الدين من اليهود والنصارى المتربصين؛ ليعطوهم الطعام بيد والضلال باليد الأخرى، إنجيلاً أو توراةً أو كفراً أو إلحاداً أو ما أشبه ذلك.

والله تعالى يقول: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] فهم استنصرونا واستغاثوا بنا واستصرخونا.

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم جوعى وعطشى فما يهتز إنسان

ماذا التقاطع في الإسلام بينكم      وأنتم يا عباد الله إخوان

أيسرك أن تتحول بلاد المسلمين إلى أوكار للنصارى، وأن يعلن المرتدون على المنابر أنه لا حرج على إنسان أن يغير دينه؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس {من بدل دينه فاقتلوه} والرب جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] ويقول: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] أيسرك أن ترى أعداء دينك يأخذون فلذات الأكباد من أولاد المسلمين بعشرات الألوف؛ من أجل أن ينصروهم، لا أقول: من أجل أن يتحولوا إلى لادينيين، ولا أقول: من أجل أن يتحولوا إلى نصارى، بل من أجل أن يتحولوا إلى قسس، ودعاة للديانة النصرانية، وقد يكون اسم الواحد منهم جورج أو ميشيل، ولكن اسم أبيه عبد الله، أو محمد أو علي أو صالح، وهذا موجود مع الأسف الشديد.

فالغوث الغوث أيها المؤمنون! واليقظة اليقظة يا أصحاب القلوب! دعونا من مشاكلنا الصغيرة، ودعونا من همومنا الذاتية، ودعونا من قضايانا الخاصة، وهلم نطل على هذا الجسد الإسلامي المثخن بالجراح، وهلم ننظر لهذه الأمة التي عبث بها عدوها، لم يكتف بأخذ أموالها، ولا بإهدار اقتصادها، وقد فعل، ولم يكتف بغزوها عسكرياً، وجعلها تحت مظلة قواته وأجهزته وجنوده وعدده وعُدده، وقد فعل، ولم يكتف بأن يجعل جميع أولي النفوذ والقوة في البلاد، من ربائب الغرب الذين تخرجوا من جامعاته، ورضعوا من ألبانه، وقد فعل، بل أضاف إلى هذا كله، أنه أراد أن يحول أفراد المسلمين، ومستضعفيهم وجهالهم، ونساءهم وأطفالهم إلى دين النصرانية.

إنهم يعدون العدة للحرب العظمى بين الإسلام والكفر، والمعركة الفاصلة، ونحن نعلم علم اليقين، ونشهد بالله أننا نؤمن بذلك، وأن الله تعالى سينصر دينه ويظهر كلمته، وأن أمر الإسلام إلى ارتفاع، وأمر الكفار إلى سفول وأن هؤلاء يكيدون والله تعالى يكيد قال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق:15-17]... وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] ولكننا نعلم علم اليقين أيضاً أن الله تعالى ابتلانا بأن نقوم على هذا الدين، وأن ننصر دينه، وأن نعلي كلمته، قال الله عز وجل: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:14-15].

إنه مما يجرح القلب أن تكون بلاد المسلمين كلأً مباحاً لأعداء الدين، يتدخلون كما شاءوا وينشرون دعوتهم، ويفسدون كما شاءوا، دون حسيب أو رقيب.

لقد تدخل الكفار في بلاد الكفر، ومع ذلك لقنهم الكفار في فيتنام وغيرها دروساً لم ينسوها قط، وظلت محفورة في ذاكرتهم، أما بلاد المسلمين فهي أهون الضحايا، وهم يدخلون مطمئنين يظنون أنهم آمنون، ونحن نقول: إن نصر الله تعالى للمؤمنين آت، وإن الله تعالى سيبعث لدينه جنداً، وإذا تخلينا نحن اختار الله تعالى غيرنا قال الله: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ [محمد:38] مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ [المائدة:54] من هؤلاء القوم، ليسوا قوماً جبناء ولا بخلاء، ولا قوماً همهم أن يقاتلوا إخوانهم، وأن يتشاغلوا فيما بينهم، كما كانت الجاهلية الأولى.

وأحياناً على بكر أخينا      إذا ما لم نجد إلا أخانا

المهم أن نفتعل معركة ولو مع أقرب قريب، والمؤاخي الحبيب، ولو مع المؤاخي، ولو مع الموافق لك في دعوتك ودينك ومنهجك.

أما أولئك قوم صنف آخر، يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين -ذليل متواضع لأخيه المؤمن- أعزة على الكافرين ذووا قوة وشجاعة وبأس، لكن ليس على إخوانهم، وإنما على الكافرين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54] كل حالة رده. عاشها المسلمون، جاء الله تعالى بعدها بالنصر على أيدي جند، يصنعهم على عينه، ويختارهم سبحانه، ويوفقهم للبلاء والصبر والجهاد، وتقع على أيديهم الوعود، التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وأعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فهلم أيها الأخ الحبيب نكون جزءاً من هذه الطائفة، وهذه الفئة التي وعد الله تعالى بها؛ فنجاهد بعلمنا وبعقولنا وأيدينا وأموالنا وألسنتنا وبدعائنا، وبكل ما نستطيع.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5003 استماع
حديث الهجرة 4962 استماع
تلك الرسل 4144 استماع
مصير المترفين 4075 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4041 استماع
وقفات مع سورة ق 3968 استماع
مقياس الربح والخسارة 3921 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3860 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3821 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3817 استماع