مضى الدهر بابن إمام اليَمَنْ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مضى الدهر بابن إمام اليَمَنْ | وأودى بزين شبابِ الزمنْ |
وباتت بصنعاءَ تبكي السيوفُ | عليه، وتبكي القنا في عدن |
وأَعْوَلَ نجدٌ، وضجَّ الحجازُ | ومالَ الحسينُ، فعزَّ الحسن |
وغصَّتْ مناحاه في الخيام | وغصَّتْ مآتمه في المدن |
ولو أنّ ميتاً مشى للعزاء | مشى في مآتمه ذو يَزن |
فتًى كاسمِه كان سيفَ الإله | وسيفَ الرسولِ، وسيفَ الوطن |
ولقِّبَ بالبدرِ من حسن | وما البدرُ؟ ما قدرُه؟ وابنُ مَنْ؟ |
عزاءً جميلاً إمامَ الحِمَى | وهونْ جليلَ الرزايا يهن |
وأَنتَ المُعانُ بإيمانه | وظنُّك في الله ظنُّ حسن |
ولكن متى رقَّ قلبُ القضاء؟ | ومن أَيْن لِلموتِ عقلٌ يَزِن؟ |
يجامِلُك العربُ النازحون | وما العربيَّة ُ إلا وطن |
ويجمَعُ قومك بالمسلمين | عظيمُ الفروضِ وسمحُ السن |
وأَنَّ نبيَّهمُ واحدٌ | نبيُّ الصوابِ، نبيُّ اللَّسَن |
ومصرُ التي تجمع المسلمين | كما اجتمعوا في ظلال الرُّكُن |
تعزِّي اليمانينَ في سيفهم | وتأْخذ حِصَّتَها في الحَزَن |
وتَقعُد في مأْتم ابنِ الإمامِ | وتبكيه بالعَبرات الهُتُن |
وتنشر ريحانتي زنبقٍ | من الشِّعرِ في رَبَواتِ اليمن |
تَرِفَّانِ فوقَ رُفاتِ الفقيدِ | رفيفَ الجنى في أَعالي الغُصُن |
قَضَى واجباً، فقضَى دونَه | فتى ً خالص السر، صافي العلن |
تطوَّحَ في لُجَجٍ كالجبال | عِراضِ الأَواسِي طِوَالِ القُنَن |
مشى مشية َ الليثِ، لا في السلاح | ولا في الدُّروع، ولا في الجُنَن |
متى صرتَ يا بحرُ غمدَ السيوفِ | وكنا عَهدناك غِمدَ السُّفن؟ |
وكنتَ صوانَ الجمانِ الكريمِ | فكيف أزيلَ؟ ولمْ لمْ يصن؟ |
ظفرتَ بجوهرة ٍ فذَّة ٍ | من الشرف العبقريِّ اليُمُن |
فتًى بذَلَ الروحَ دونَ الرِّفاق | إليكَ، وأَعطى الترابَ البَدن |
وهانتْ عليه ملاهي الشبابِ | ولولا حقوقُ العلا لم تهن |
وخاضَك يُنقِذُ أَترابَه | وكان القضاءُ له قد كَمَن |
غدرتَ فتى ً ليس في الغادرين | وخنتَ امرأ وافياً لم يخن |
وما في الشجاعة ِ حَتْفُ الشجاعِ | ولا مدَّ عمر الجبان الجبن |
ولكن إذا حانَ حينُ الفتى | قَضَى ، ويَعيش إذا لم يَحِن |
ألا أيهذا الشريفُ الرضيُّ | أبو السمراء الرماحِ اللدن |
شهيدُ المُروءَة ِ كان البَقِيعُ | أحقَّ به من تراب اليمن |
فهل غَسَّلوه بدمعِ العُفاة ِ | وفي كلِّ قلبٍ حزينٍ سكن؟ |
لقد أَغرقَ ابنكَ صرْفُ الزمانِ | واغرقْتَ أَبناءَه بالمِنن |
أَتذكر إذ هو يَطوِي الشهورَ | وإذ هو كالخشفِ حلوُّ أغنّ؟ |
وإذ هو حولك حسنُ القصورِ | وطِيبُ الرياضِ، وصَفْوُ الزمَن؟ |
بشاشتُه لذَّة ٌ في العيون | ونَغْمتُه لذَّة ٌ في الأذن؟ |
يلاعب طرَّتهُ في يديكَ | كما لاعبَ المهرُ فضل الرسن؟ |
وإذ هو كالشبل يحكي الأسودَ | أدلّ بمخلبه وافتتن؟ |
فشبَّ، فقامَ وراءَ العرينِ | يَشُبّ الحروبَ، ويُطفِي الفِتَن؟ |
فما بالُه صار في الهامدين | وأمسى عفاءً كأنْ لم يكنْ؟ |
نظَمْتُ الدموعَ رِثاءً له | وفصَّلْتُها بالأَسَى والشَّجَن |