مال أَحبابُه خليلاً خليلا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
مال أَحبابُه خليلاً خليلا | وتولَّى اللِّداتُ إلا قليلا |
نصلوا أمسِ من غبار الليالي | ومضى وحدَه يحثُّ الرحيلا |
سكنتْ منهم الركابُ، كأن لم | تضطربْ ساعة ً ولم تمضِ ميلا |
جُرِّدوا من منازلِ الأرضِ إلا | حَجَراً دارِساً ورَملاً مَهيلا |
وتَعَرَّوْا إلى البِلَى ، فكساهم | خشنة اللحدِ والدجى المسدولا |
في يبابٍ من الثرى رَدَّه المو | تُ نقياً من الحقودِ غسيلا |
طَرَحوا عندَه الهمومَ، وقالوا | إن عِبْءَ الحياة ِ كان ثقيلا |
إنما العالمُ الذي منه جئنا | ملعٌ لا ينوع التمثيلا |
بطلُ الموتِ في الرواية ركنٌ | بُنِيَتْ منه هيكلاً وفصولا |
كلما راح أَو غدا الموتُ فيها | سَقط السِّترُ بالدموع بَليلا |
ذكرياتٌ من الأحبة تمحى | بيدٍ للزمان تمحو الطلولا |
كلُّ رسمٍ من منزلٍ أو حبيبٍ | سوف يمشي البِلَى عليه مُحيلا |
رُبَّ ثُكْلٍ أَساكَ مِن قُرْحة ِ الثُّكْـ | ـلِ، ورزْءٌ نسَّاك رُزْءاً جليلا |
يا بَناتِ القَرِيضِ، قُمْنَ مَناحا | تٍ، وأرسلنَ لوعة ً وعويلا |
من بَناتِ الهَدِيلِ أنْتُنَّ أَحْنَى | نغمة في الأسى ، وأشجى هديلا |
إن دمعاً تَذْرِفْنَ إثرَ رِفاقي | سوف يَبْكِي به الخليلُ الخليلا |
ربَّ يومٍ يناحُ فيه علينا | لو نحسُّ النَّواح والترتيلا |
بمراثٍ كتبنَ بالدمع عنّا | أَسطُراً من جوًى ، وأُخرى غليلا |
يجدُ القائلون فيها المعاني | يومَ لا يأْذن البِلى أَن نَقولا |
أَخذ الموتُ من يدِ الحقِّ سَيفاً | خالديَّ الغرار، عضباً، صقيلا |
من سيوف الجهادِ فولاذهُ الحـ | ـقُّ، فهل كان قَيْنُه جِبريلا؟ |
لمسته يدُ السماءِ، فكان الـ | ـبَرْقَ والرعدَ خَفْقَة ً وصَليلا |
وإباءُ الرجالِ أمضى من السيـ | ـفِ على كفِّ فارسٍ مسلولا |
ربَّ قلبٍ أصاره الخلقُ ضرغا | ماً، وصدرٍ أصاره الحقُّ غيلا |
قيلَ: حللهُ، قلتُ: عرقٌ من التـ | ـبرِ أراحَ البيانَ والتحليلا |
لم يزدْ في الحديد والنارِ إلا | لَمحة ً حُرَّة ، وصبراً جميلا |
لم يَخَفْ في حياته شَبَح الفقـ | ـرِ إذا طاف بالرجال مهولا |
جاعَ حيناً، فكان كالليثِ آبى | ما تُلاقيه يومَ جُوعٍ هَزيلا |
تأكل الهرَّة ُ الصغارَ إذا جا | عَتْ، ولا تأْكل اللَّباة ُ الشُّبولا |
قيلَ: غالٍ في الرأي، قلتُ: هبوهُ | قد يكون الغُلُوُّ رأْياً أَصيلا |
وقديماً بَنَى الغُلُوُّ نُفوساً | وقديماً بنى الغلوُّ عقولا |
وكم استنهضَ الشيوخَ، وأَذكى | في الشباب الطِّماحَ والتأْميلا |
ومنَ الرأيِ ما يكونُ نفاقاً | أَو يكونُ اتجاهُه التضليلا |
ومن النقدِ والجِدالِ كلامٌ | يشبه البغيَ، والحنا، والفضولا |
وأَرى الصدقَ ديْدَناً لسَلِيل الـ | ـرافعيِّينَ والعَفافَ سَبيلا |
عاش لم يَغْتَبِ الرجالَ، ولم يَجْـ | ـعَلْ شؤون النفوسِ قالاً وقِيلا |
قد فقدنا به بقيَّة َ رَهْطٍ | أيقظوا النيلَ وادياً ونزيلا |
حَرَّكوهُ، وكان بالأَمس كالكهـ | ـفِ حُزوناً، وكالرَّقِيم سُهولا |
يا أمينَ الحقوقِ، أديتَ حتى | لم تخنْ مصرَ في الحقوق فتيلا |
ولو استطعتَ زدتَ مصرَ من | الحقِّ على نيلها المباركِ نيلا |
لستُ أنساكَ قابعاً بين درجيـ | ـكَ مكبَّا عليهما مشغولا |
قد تواريتَ في الخشوع، فخالو | كَ ضئيلاً، وما خُلِقْتَ ضئيلا |
سائل الشعبَ عنك، والعَلَمَ | الخفَّاقَ، أَو سائل اللواءَ الظليلا |
كم إمامٍ قربْتَ في الصفِّ منه | ومغنٍّ قعدتْ منه رسيلا؟ |
تُنْشِدُ الناسَ في القَضِيَّة ِ لَحْناً | كالحواريِّ رَتَّل الإنجيلا |
ماضياً في الجهاد لم تتأخَّر | تزنُ الصفَّ، أو تقيم الرعيلا |
ما تبالي مضيتَ وحدكَ تحمي | حوزة َ الحق، أم مضيتَ قبيلا |
إن يفتْ فيكَ منبرَ الأمسِ شعري | إن لي المنبرَ الذي لن يزولا |
جلّ عن منشدٍ سوى الدهرِ يلقيـ | ـهِ على الغابرين جيلاً فجيلا |