أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ، لو أعتبَ الدّهرُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ، لو أعتبَ الدّهرُ | وأستَنجِدُ الصَّبرَ الجميلَ، ولا صَبرُ |
وأسأل عن نهج السلو وقد بدا | لَعينَيَّ، إلاَّ أنَّ مسلَكه وعرُ |
وكيف التسلي والحوادث جمة | إذا ما انقضى أمر يسوء أتى أمر |
رمَتِنيَ في عشْرِ الثَّمانِينَ نكبة ٌ | من الثكل يوهي حملها من له عشر |
على حينَ أفْنَى الدَّهرُ قَومي، ولم تَزَلْ | لهم ذروة العلياء والعدد الدثر |
إذا حاربُوا فالأُسدُ تحمي عرينها | وإن سالموا كان التبتل والذكر |
تُبيحُ وتَحمِي منذ كَانت سيُوفُهم: | يُباحُ بها ثَغْرٌ، ويُحمى بها ثَغرُ |
مَضَوْا، وانطَوَتْ دُنياهُمُ، وتَصَرَّمتْ | كأنَّهمُ ما عَمُروا، ولهَا نَشرُ |
فلم يبق إلا ذكرهم وتأسفي | عليهم، ولَن يبقى التأسُّفُ، والذِّكرُ |
وأصبحتُ لا آلُ يُلبُّون دعوتي | ولا وطنٌ آوِي إليه، ولا وفْرُ |
كأني من غير التراب فليس لي | من الأرض ذات العرض دون الورى شبر |
رُزئتُ أبَا بكرٍ، على شَغَفِي به | فيا لهفتا ماذا جني الحادث البكر |
لِسبعٍ مَضتْ من عُمرِه، غالَه الرَّدى َ | وكنتُ أُرجّي أن يطولَ به العُمْرُ |
وقلتُ: عتيقٌ من خُطوبِ زِمانِه | عتيقٌ بهذا يُخبرُ الفأْلُ والزّجْرُ |
فعاجله قبل التمام حمامه | ولا عجبٌ، قد يُخْضَدُ الغُصُنُ النَّضْرُ |
ويأمرني فيه الأخلاء بالأسى | وهيهات مالي بالأسى بعده خبر |
يَقولون: كَم هَذا البكاءُ، ولو بَدَا | ضَميرُ الَّذي بي، رَقَّ لي، وبكَى الصّخرُ |
وكنتُ أظنّ الدّمعَ يُبْرِدُ غُلَّتِي | إلى أن بَدا لي أنّ دمعَ الأسى جَمرُ |
أبا بكر ما وجدي عليك بمنقض | طوال الليالي ما انقضى اليوم والشهر |
أطلت علي الليل حتى كأنما | زماني ليل كله ماله فجر |
وإنِّي لأسْتَدعِي الكَرى ، وهو نافرٌ | به من جُفوني أن يُلَّمِ بها ذُعر |
لعل خيالاً منك يطرق مضجعي | فأشكو إليه ما رماني به الدهر |
تمثلك الأفكار لي كل ليلة | وتؤنسني أشباهك الأنجم الزهر |
إذا لج بي شوق أتيتك زائراً | فأرجعُ كالمخبولِ دلَّهَه السِّحرُ |
وماالقُربُ من قبرٍ أجَنَّكَ نَافعي | إذا كان فيما بيننا للثرى ستر |
أقولُ لنفسي، حينَ جدَّ نِزاعُها | عليك بحسن الصبر إن أمكن الصبر |
ألسَنا بني الموتَى ، إليهم مآلُنا | بلا مِرْية ٍ، والفرعُ يَجذبُه النَّجْرُ |
فنحن كسفر عرسوا ووراءهم | رِفاقٌ، إذا وافَوْهُمُ رحَل السَّفْرُ |
من الأرض أنشئنا وفيها معادنا | ومنها يكون النشر والبعث والحشر |
هي الأم لا بر لديها وردنا | إلى بطنها بعد الولاد هو البر |
ثكول ولا دمع لها إثر هالك | وكلُّ رَقوبٍ ثاكلٍ دمعُها هَمْرُ |
أضلَّ الورى حبُّ الحياة ِ، فحازِمٌ | خبيرٌ سواءٌ في الضَّلالة ِ والغِرُّ |
فلا يأمنَنْ غَدْرَ الليالِيَ کمنٌ | وإن أمهلته إن إمهالها ختر |
تُعيرُ، وبالقَسرِ العنيفِ ارتجاعُها | ولا خير في عاربة ردها القسر |
ونحنُ عليها عاكِفُون، وليسَ في | مواهبها عقبى تسر ولا يسر |
فما بالنا في سكرة من طلابها | ومنْ نَالها منَّا يَزِيْدُ به السُّكرُ |
مضَى مَن مضَى مِمَّن حَبته، فأكثَرتْ | وراحته من كل ما جمعت صفر |
وما نال أيام الحياة من الغنى | عن الفقر في يوم المعاد هو الفقر |
يحاسب عن قطميره ونقيره | ولم يتبعه منه كثر ولا نزر |
وهذا هو الخُسرُ المبينُ، فما لنا | حراص على أمر عواقبه خسر |
وقد كان في آبائِنا زاجرٌ لنا | يبصرنا لو كان يردعنا الزجر |
تفانَوْا، فبطنُ الأرضِ مِن بعدِ وحشَة ٍ | بهم آهِلٌ مَستأنِسٌ، وخلاَ الظَّهرُ |
وقد دَرَستْ آثارُهم وقبورُهم | كما درسوا فيها فليس لها أثر |
فهل ليَ في هَذِي المواعِط وَاعِظٌ | يُبرَدُ ما يُخفي من الكَمَدِ الصَّدرُ |
يَحُثُّ على الصَّبرِ الجميلِ، فإنَّه | يُنالُ به حُسنُ المعُوضَة ِ والآجرُ |
ومَن نَزعَت أيدي المنية ِ مِن يَدي | هو الذّخرُ لي، في يومِ يَنْفَعُنِي الذُّخْرُ |