بِالأمْسِ عُجْتُ على القِبابِ أزُورُها |
وأشُمُّ عطرًا عالقًا بِقِبابِ |
ووقفتُ بالقبرِ العظيمِ أعُودُهُ |
وبِجِيْرَةِ الصِّدِيقِ والخَطَّابِ |
الخيرُ يَثْوي والعَدَالةُ والنَّدَى |
لكنَّها أحيتْ حَدِيثَ صَحَابِي |
ألصقتُ وَجْهي بالسِّياجِ أشُمُّهُ |
وبكيتُ بين القبرِ والمِحْرابِ |
لمَّا ذكرتُ حُشاشةً قد ودّعَتْ |
منِّي ومالتْ زَهْرتِي(*) لِغِيابِ |
وذكرتُ دمعةَ سيِّدِي وبُكَاءَهُ |
لمَّا رَأى قبرًا نَدِيَّ تُرَابِ |
حارتْ بأبواءِ المدينةِ رِجْلُهُ |
وجَرَى حديثُ القَلبِ للأحْبابِ |
يا قبرَ آمنةَ اسْتَفِقْ فَوقُوفُهُ |
سَيُحيلُ هذي الجُرْدَ كالأعْنابِ |
يا سيِّد الثَّقلينِ جئْتَ مُبشِّرًا |
بالحُبِّ لا بمعاركٍ وخَرابِ |
أُرْسِلْتَ والدُّنيا ظَلامٌ والمَدَى |
ظلمٌ وخيلُ المُُؤمِنينَ كَوَابِي |
ورَحَلْتَ والدُّنيا ضِياءٌ والمَدَى |
نُورٌ يُرى فِي دَفَّتيِّ كِتَابِ |
*** |
يا طيبةَ الأطْيابِ جِئْتُكِ عَاشقًا |
لِسَنَى النَّبِيِّ وخَافِقِي مِحْرَابِي |
أمْشِي وأزرعُ آيةً فِي خَافِقي |
تَسْقِي هَشِيمَ الوِرْدِ والأعْصَابِ |
نورٌ على نورٍ تُضيءُ بَصِيرتِي |
وبِها عرفتُ خَطِيئتِي وصَوَابِي |
مِنْ هاهُنا مَرَّتْ رَوَاحِلُ سيِّدي |
وهُنا اهْتَدى قِسٌّ وأسْلَمْ صَابِي |
مِنْ هاهُنا أضْحَى لِطَيْفِ مُحمَّدٍ |
نورٌ وأصْغَتْ للحبيبِ رَوَابِي |
يا طيبةَ الأطيابِ جئتُكِ شاكيًا |
أبناءَ آوَى فِي جُلُودِ ذِئابِ |
همْ غيَّبُوا في الدِّينِ فيضَ سَماحَةٍ |
وبشاشةٍ تُغْنِي عَن التِّرْحَابِ |
زَرَعُوا القَطِيعةَ بين كُلِّ جماعةٍ |
ورَعَوا نَمِيْمَ الوَاشِيَ الكَذَّابِ |
لمْ يَدْفَعُوا حدًّا بِشُبهةِ تَائبٍ |
أوْ يرحَمُوا حالاً لِذَاتِ خِضَابِ |
لمْ يَعْرفُوا فِي اللهِ رَحْمَتهُ التي |
وَسِعَتْ ذُنوبَ مَسالِكٍ وشِعَابِ |
اللهُ نُورُ الأرْضِ عَلَّمَ بِالقَلَمْ |
مَنْ لَيْسَ يَعْلَمُ يا ذَوِي الألْبَابِ |
*** |
يا طيبةَ التَّاريخِ إنِّي مُؤْمِنٌ |
باللهِ.. لا بِفَتاوِيَ المُرْتَابِ |
أفْتَى وأسْرَجَ للضَّلالةِ خَيْلَهُ |
فَلَبِئْسَ ما سِيْقَتْ لَهُ بِرِكَابِ |
أفْتَى وزَيَّنَ للمُرَاهِقِ فِتْنةً |
وقَطِيعةَ الأبْوابِ بالأبْوابِ |
أفْتَى وأَوْغَرَ صَدْرَهُ وفُؤادَهُ |
وسَقاهُ مِنْ كأسٍ بِغَيرِ شَرَابِ |
يا قَارِئَ القُرآنِ رَتِّلْ آيَهُ |
وتَعَالَ كَيْ أُدْنِي إليكَ إهْابِي |
لِتُعَطِّرَ الرُّوحَ الضَّرِيرةَ بِالسَّنى |
ويَطِيبُ مِنْ بَعْدِ الرَّوَاحِ إيَابِي |
وتَعَالَ كي نَجْلُو الحَقِيقَةَ فِي الدُّجَى |
أنَّ الذي أفْتَى هُوَ الإرْهَابِي |
----------- |
(*) زهرة: اسم والدة الشّاعر |