اِصعد ياحبّة قلبي , اصعدْ |
اِصعد كي تنفض عن عينيك غبارهما فترى .. |
وتماسكْ إن كنتَ ضعيفاً , ساقُك تُسند ساقَكَ , وذراعاك |
تمدّانك بالعزم , ووجهُك ينفحُ بالماء إذا ماأصبح بين الماء |
وبينك قافلةً من نوق . |
وتماسَك حين ترى .. |
سترى مالا عين نظرت , مالا أُذن سمعت |
مالم يوصف في الكتب المنسوخة عن عاشرِ جدْ |
سترى ناسا يقتتلون على طرقٍ تفضي بالناس إلى كرسي وزبرجد |
سترى خيلا ليس لها أعناقٌ , وسيوفا ليس لها أغمادٌ , ودماً ينثالُ ليشرب منه المرضى والمقهورون وأصحاب الفاقةِ والموهوبون |
عطايا الرب .. |
... |
كل الناس عِطاش |
فاصْعد ياحبة قلبي , اصعد |
وتوسَّد صوتي حين أُناديك لتصعد |
اخترتك أنت |
لست الظاهر بينهمو ولست السافر |
اصعد كي تفتح عينيك على الصالح والطالح والفالح |
والكالح والفارح |
والتارح والجارح والمجروح |
كل الأرض جروحْ |
انظر .. |
هذا بلد يتقاسَمُهُ الباعه , تجّار الليل , وذا بلد |
يتحلق فوق يديه الصّاغةُ , هذا وطن يتقاسمه البرص علانيةً |
فاصعد |
هذي الشمس تُناديك وقد خبّت حمراء شواظٍ فتواطأ معها .. |
مُدَّ يديك لها أغمض عينيك وقلْ |
يا أيتها الشمس خذيني , ابن الصحراء أنا , آتٍ منها |
بي جدبٌ |
وعليّ قماشُ من سندس أخضر بارق .. |
... |
هَمَست في أذني الصحرا وأنا في المهد بأنّ الشمس ستمنحني |
يوما نافذة كي أصعدَ , أنفض عن عينيّ غبارهما |
فأرى الطاووس يتيهُ على الإنسان ويختال |
وأرى الكابوس يُكمِّمُ أفواه الناس على حلم منهم |
وأرى الماشين على أوجههم في السوق مناديل كآبة |
وأرى في الحَبس مظاليما وأرى ظلامَهمو , وأرى خيطا |
لا أسود , لاأبيض فأصوم |
الملأ عِطاش |
هذا اليوم طويل |
والأرض سعير |
والناسُ , الناسُ انحدروا في دارٍ مظلمة لاأبواب لها صماء |
والناسُ , الناسُ انكسروا في الصدق |
... |
رماديا كان الحرفُ , اللغةُ , الميزانُ , الإنسانُ , الطائرُ |
والتاجرُ والصاغةُ والنسوة إذ يتوالدن وماينجبن رماديّ |
الوجه , الساحل والقاحل من يفنى في أودية متشاجرة , من |
يمشي , من يتبختر , والموت رماديّ فاصعد |
أنت المدعو : سليل الصحراء , المتوارث مجد الضرب علانية في غاربها .. |
بدوٌ في بدنك يبتردون عطاشى , ورعاة الأرض على ظهرك يَرعون . |
ملح في كفيك , تطوف وتنظر في الأرض على غيم مقتعدا بين الموتى .. |
أنت الباطن والصاعد في الأبيض , والنازل في الرمل , المرتحل على زلزلة في القلب , المتدثر بالرغبات الأولى : أن تعرف . |
وترى وتشك |
هذا الشك يقين |
حلمٌ أم علمٌ أم هذيان مريض ؟ |
... |
الأرض تدور |
هذا الفلك القائمُ يوغل في الظلماء ولكني أنسج في بدني امرأةً تتحول في الصبح إلى كوكب عشب .. |
أخضر رطب |
فأرى |
وأشك |
ثم أحطّ يديّ على وجهي |
يغشاني النور |
فأسأل : أين أنا ؟ |
أتكاشف والشمس |
فأرى خيلا تتظاهر في ناصيةِ الشمس , تمدُّ قوائمها |
والقهر يؤجج في دمها حمحمة الأيام الأولى .. |
أضحت في المضمار مراهنةً ونقود |
أتكاشف والشمس |
لم يبق سوى مرمى حجر وأصل |
أبراج وسفائن |
لهبٌ منحدر مثل الماء , دخان أبيض مثل الثلج ــ الغيم , |
أطفال قتلوا في آخر حربٍ , فتيات بثياب الدرس |
يَحمن ويساقطن على زبد من غدر .. |
... |
اِصعد ياحبة قلبي , اصعد |
ستلاقي رهطا يسترقون السمع على درجات الكون , |
فحادثهم .. |
اسمع مايعطيك مفاتيح الأشياء ومايمنح ساقك في |
الريح مدى ويديك نهار |
هذي آخر عتبات الكون الكامل |
أنت الآن على لهب منها فادخل |
وتيمم بالنار وصلّ |
تأمل ماحولك |
زواج بين الرمل وبينك , بين النار وبينك , بين الماء وبينك |
وادخل في جدل الأشياء |
أنت الآن ترى |
أنت الآن |
ترى . |