أرشيف الشعر العربي

( قمرٌ ) على وجعِ المدينةِ

( قمرٌ ) على وجعِ المدينةِ

مدة قراءة القصيدة : 3 دقائق .

قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ

و الريحُ وشَّحها النحيبُ

و أراكَ تمرُقُ دونَ وجهٍ

لا تُبادِلكَ المرايا لفتَةً من عُريها

هل خانتِ المرآةُ وجهكَ يا غريبُ ؟

أم خنتَ ذاكرةَ المرايا ؟

لا صدىً عندَ انكساركَ حين تحدو

لا صدىً ...

بُحَّ النشيدُ الملحميُّ و لا مجيبُ

لكأنَّنا اعتدنا المنافي

بعدما نأتِ الديارُ بساكنيها ،

من على وجعي أُطلُّ على الحِمى

لا بعدهم سكناً تطيبُ

و الآنَ تعبرني الظعائِنُ

لا الربابُ تهزُّ أدمُعيَ العجافَ ،

ولا القصائِدُ ،

لا ... و لا الراياتُ تلفحُها الرياحُ ،

كأنَّ أندلساً تغيبُ

لا القلبُ تفزعهُ الظلالُ الراعِشاتُ على الستائِرِ ،

فلَّةٌ بالبابِ ما انتبهت لخطوي

كلُّ شيءٍ صارَ ينكرني تماماً ها هنا ،

حتَّى الصدى قد باتَ ينهرني ، أبي ،

" لا أنتَ أنتَ ، و لا الديارُ ... "

الآنَ تُنكِرُني النوافِذُ

حينَ أعبرُ عتمَها صِفْرَ الملامحِ ،

ثمَّ أشهقُ مثلَ ماءٍ هزَّهُ حجرٌ ؛

كأنَّ دوائرَ الغرباءِ تنأى

ثمَّ تنأى كالصدى عنّي ،

أغنّي

حينَ أعثرُ مثلَ عكَّازٍ ترنَّحَ في يديكْ

أسفي عليكْ

أسفي عليكَ إذا خذلتكَ يا أبي /

إنْ خانتِ العيرُ انتظاركَ نِصفَ عمرٍ

لا قميصي عادَ يحملهُ المبشِّرُ ،

لا ( منامٌ ) زفَّني بشرى إليكْ

أسفي عليكْ

الليلُ يعبرني وحيداً

عندَ أطرافِ النهارِ ، على شفا امرأةٍ

أُنيخُ مدامعي لتخونها !

و الدمعُ يخذلني عليكْ

أسفي عليكْ

قمرٌ على وجعِ المدينةِ ،

و الدروبُ متاهةٌ

لا بابَ يطرقهُ المسافِرُ ها هنا ،

في وحشةِ الطرقاتِ تعلكني وجوهُ العابرينَ

و لا نوافِذَ يا أبي للطفلِ تشرعها يداكَ

بكوبِ ماءٍ

لا نوافِذَ يا أبي ...

قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ ،

و خُطاكمُ

حبقٌ على الطرقاتِ تفركُهُ النسائِمُ ،

لم تزلْ كلُّ الجهاتِ عليكَ تشرعني مُدىً

لكأنَّني ريحٌ على جمرِ المسافةِ بيننا

أو حِقدُ عوسجةٍ تُخاصِرُ ساعديكْ

أسفي عليكْ

مازالَ يرقبكَ الزوالُ ، على التخومِ

تُقَلِّبُ الصورَ التي حفظت وجوهَ الغائبينَ

و ما تَساقطَ من فُتاتِ الذكرياتِ ،

كأنَّهُ حلمٌ ...

كأنّي ما سَمِعتُ صراخكَ المحمومَ :

( يا بنَ الكلبِ ) اِرجعْ !!

لم يَعُدْ في العمرِ متسعٌ إليكْ

أسفي عليكْ

قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ

و الدربُ أحجيةُ المسافِرِ، و الصدى كَذِبُ

العراءِ و خطوتي ضلَّتْ هناكَ ، فيا أبي :

لا بدَّ من طرقٍ تعودُ ليرجعَ المنفيُّ محمولاً

على الأكتافِ تنطرهُ الدموعُ

فَمَنْ سِواكَ يضمُّ قامتكَ النحيلةَ

حينَ يفجعُكَ الجوادُ بغيرِ سرجٍ عائداً ؟!

أَبَتَاهُ منْ ؟

أَبَتَاهُ منْ ؟

أَوَكُلَّما مرَّ الحُداةُ هجرتَ حلمكَ حافياً

تقفو الصدى ؟

: إنّي أكادُ أشمُّ ريحكَ يا بنيَّ على المدى

- كمْ مرَّةً سأخونُ حدسكَ يا أبي ؟

و أقولها ملءَ انكسارِكَ :

لم يَعُد من كانَ تنطرهُ الشِفاهُ بقُبلةٍ

كَذَبَتْ عليكَ الريحُ ..

قدْ كَذَبَتْ عليكْ

أسفي عليكْ

قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ

و القلبُ لفَّعَهُ السوادُ ، ...

حمامةٌ في وحشةِ الأضلاعِ قد هَدَلت عليكْ

أسفي عليكْ

* * * *

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (حسن إبراهيم الحسن) .

جنة الأوجاع

المبَشَّرون بالحزن

على وشكِ الرخام

اعتراف ساذج

أضغاث أحلام


المرئيات-١