قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ |
و الريحُ وشَّحها النحيبُ |
و أراكَ تمرُقُ دونَ وجهٍ |
لا تُبادِلكَ المرايا لفتَةً من عُريها |
هل خانتِ المرآةُ وجهكَ يا غريبُ ؟ |
أم خنتَ ذاكرةَ المرايا ؟ |
لا صدىً عندَ انكساركَ حين تحدو |
لا صدىً ... |
بُحَّ النشيدُ الملحميُّ و لا مجيبُ |
لكأنَّنا اعتدنا المنافي |
بعدما نأتِ الديارُ بساكنيها ، |
من على وجعي أُطلُّ على الحِمى |
لا بعدهم سكناً تطيبُ |
و الآنَ تعبرني الظعائِنُ |
لا الربابُ تهزُّ أدمُعيَ العجافَ ، |
ولا القصائِدُ ، |
لا ... و لا الراياتُ تلفحُها الرياحُ ، |
كأنَّ أندلساً تغيبُ |
لا القلبُ تفزعهُ الظلالُ الراعِشاتُ على الستائِرِ ، |
فلَّةٌ بالبابِ ما انتبهت لخطوي |
كلُّ شيءٍ صارَ ينكرني تماماً ها هنا ، |
حتَّى الصدى قد باتَ ينهرني ، أبي ، |
" لا أنتَ أنتَ ، و لا الديارُ ... " |
الآنَ تُنكِرُني النوافِذُ |
حينَ أعبرُ عتمَها صِفْرَ الملامحِ ، |
ثمَّ أشهقُ مثلَ ماءٍ هزَّهُ حجرٌ ؛ |
كأنَّ دوائرَ الغرباءِ تنأى |
ثمَّ تنأى كالصدى عنّي ، |
أغنّي |
حينَ أعثرُ مثلَ عكَّازٍ ترنَّحَ في يديكْ |
أسفي عليكْ |
أسفي عليكَ إذا خذلتكَ يا أبي / |
إنْ خانتِ العيرُ انتظاركَ نِصفَ عمرٍ |
لا قميصي عادَ يحملهُ المبشِّرُ ، |
لا ( منامٌ ) زفَّني بشرى إليكْ |
أسفي عليكْ |
الليلُ يعبرني وحيداً |
عندَ أطرافِ النهارِ ، على شفا امرأةٍ |
أُنيخُ مدامعي لتخونها ! |
و الدمعُ يخذلني عليكْ |
أسفي عليكْ |
قمرٌ على وجعِ المدينةِ ، |
و الدروبُ متاهةٌ |
لا بابَ يطرقهُ المسافِرُ ها هنا ، |
في وحشةِ الطرقاتِ تعلكني وجوهُ العابرينَ |
و لا نوافِذَ يا أبي للطفلِ تشرعها يداكَ |
بكوبِ ماءٍ |
لا نوافِذَ يا أبي ... |
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ ، |
و خُطاكمُ |
حبقٌ على الطرقاتِ تفركُهُ النسائِمُ ، |
لم تزلْ كلُّ الجهاتِ عليكَ تشرعني مُدىً |
لكأنَّني ريحٌ على جمرِ المسافةِ بيننا |
أو حِقدُ عوسجةٍ تُخاصِرُ ساعديكْ |
أسفي عليكْ |
مازالَ يرقبكَ الزوالُ ، على التخومِ |
تُقَلِّبُ الصورَ التي حفظت وجوهَ الغائبينَ |
و ما تَساقطَ من فُتاتِ الذكرياتِ ، |
كأنَّهُ حلمٌ ... |
كأنّي ما سَمِعتُ صراخكَ المحمومَ : |
( يا بنَ الكلبِ ) اِرجعْ !! |
لم يَعُدْ في العمرِ متسعٌ إليكْ |
أسفي عليكْ |
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ |
و الدربُ أحجيةُ المسافِرِ، و الصدى كَذِبُ |
العراءِ و خطوتي ضلَّتْ هناكَ ، فيا أبي : |
لا بدَّ من طرقٍ تعودُ ليرجعَ المنفيُّ محمولاً |
على الأكتافِ تنطرهُ الدموعُ |
فَمَنْ سِواكَ يضمُّ قامتكَ النحيلةَ |
حينَ يفجعُكَ الجوادُ بغيرِ سرجٍ عائداً ؟! |
أَبَتَاهُ منْ ؟ |
أَبَتَاهُ منْ ؟ |
أَوَكُلَّما مرَّ الحُداةُ هجرتَ حلمكَ حافياً |
تقفو الصدى ؟ |
: إنّي أكادُ أشمُّ ريحكَ يا بنيَّ على المدى |
- كمْ مرَّةً سأخونُ حدسكَ يا أبي ؟ |
و أقولها ملءَ انكسارِكَ : |
لم يَعُد من كانَ تنطرهُ الشِفاهُ بقُبلةٍ |
كَذَبَتْ عليكَ الريحُ .. |
قدْ كَذَبَتْ عليكْ |
أسفي عليكْ |
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ |
و القلبُ لفَّعَهُ السوادُ ، ... |
حمامةٌ في وحشةِ الأضلاعِ قد هَدَلت عليكْ |
أسفي عليكْ |
* * * * |