Warning: Undefined array key "member_user" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/379f6d1c5f54bdd9f12bcbc99cdb8fd8709cb09e_0.file.header_new.tpl.php on line 272
int(228) array(0) { }

أرشيف المقالات

التوريث الدعوي

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
التوريث الدعوي


 
أفضل البشرية، وسادة الإنسانية، ما أكثر ما يخافون عليه بعد موتهم؟
لنقرأ ما قاله أحدهم عليهم السلام وبأسلوب القرآن الحكيم:
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 4، 5].
 
لقد اشتعل الرأس شيبًا، ووهَن العظم، فالموت قريب والمرأة عاقر، وهناك موالي (أناس) خاف عليهم، ولم أَشْقَ باستجابتك يا رب من قبلُ، كل تلك المقدمة لتحقيق الغاية وهي أن يهبَ له الرب وليًّا لماذا؟:
﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 6].

ماذا يرث؟ العلم والنبوة، إنه الحرصُ على استمرار سلسلة الرسالة من يعقوب - وقبله إسحاق وإبراهيم - عليهم السلام.
 
إنه توريثُ الرسالة، فقد خَشِيَ أن ينحرف الناس بعده ويبتعدوا عن الرسالة، فسعى واجتهد في المحافظة عليها طيلة حياته وليس له وارث، فطلب الولي ليرثها.
 
ويستمر التاريخ وتصل الرسالة إلى خاتم المرسلين، وعندها يرسم لنا طريقةً أخرى لتوريث الرسالة، ليست بالبنوة، فليس من الضروري أن يكون وريث الرسالة من سلالة الأنبياء، بل هو باب مفتوح لكل راغبٍ يحقق المطلوب، فيُعلِنها صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنَّ العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر".
 
وهكذا سار السلف والخلف في طريق العلم وهم يضعون نصب أعينهم أنهم ورثة الأنبياء.
 
ومن أجل ديمومة الرسالة الخالدة لا بد من توريث العلماء لتلاميذهم من بعدهم على خطى الأنبياء، وهذا ما هو واضحٌ جلي في تاريخنا الإسلامي.
 
ولعقود من الزمن استمر التوريث في العلم، لكن ثمة جانبٌ آخر من الرسالة بدأ يتشكل ويتعمق في الأمة، وخاصة في وقتنا الحاضر، وهو وجود الدعاة العاملين السائرين على خطى الأنبياء، وليس بالضرورة أن يكون عالِمًا بالمعنى المعروف.
 
وانتشر الدعاة وكثروا ولله الحمد، وبطبيعة البشر أنهم يموتون، ففقدنا العديد من الدعاة سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي، ولعلنا جميعًا نلاحظ أن الكثير من الدعاة لا وارث لهم مما يُفقِدنا ما كسبناه خلال وجودهم وما حقَّقوه من إنجازات، وعلى غِرار توريث الأنبياء وتوريث العلماء، تأتي أهمية التوريث الدعوي.
 
والتوريث الدعوي هو سعي الدعاة (أفرادًا ومؤسسات) في بناء منظومة تسهم بشكل سلسٍ توريث المكتسبات الدعوية إلى الأجيال القادمة لتطويرها وزيادة كفاءتها، لتسهم في تحقيق غاية "تعبيد الخلق للخالق".
 
لقد أصبح التوريث الدعوي ضرورة ملحة وليست كمالية، ولا أبالغ حين أقول: إنه واجبٌ على كل الدعاة والمؤسسات الدعوية، فهو جزءٌ من شكر الله على نعمته تلك، وتزداد أهميته من كثرة الشبهات والشهوات ودعاة الباطل الذي لا يختلف فيه اثنان.
 
التوريث الدعوي ليست عملية عشوائية، بل ينبغي أن تكون لها أُسسها وأساليبها، كما أن لها آليتها المنبثقة والمستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
• أركان التوريث الدعوي وهي ثلاثة: موَّرث (الداعية حامل الرسالة)، والوارث (المرشح لحمل الرسالة)، والميراث (الرسالة وآلية تطبيقها).
 
• وما يمكن توريثه غالبًا لا يخلو من ثلاثة: علم (معلومات)، ومهارات (يمكن اكتسابها)، وعلاقات (يمكن نقلها).
 
• وآلية التوريث أربعة: تحديد معايير الميراث، واختيار المرشحين (الوارثون)، وتهيئة الوارث لتحمل الرسالة، والتسليم؛ أي تسليم المكتسبات.
 
• عقبات التوريث الدعوي، ومنها: ضعف القناعات، الجهل بالموضوع، الافتقار للعمل المؤسسي (حتى على المستوى الفردي)، التخوف من عواقب التسليم، وأخيرًا كثرة الانشغال بالأعمال الدعوية، وتحت كل بند من ذلك تفصيل ليس مجاله هنا.
 
كثيرًا ما نسمع "نبدأ من حيث انتهى الآخرون"، ونحن كذلك: "ندعو من حيث انتهى الأولون"، ولنتسلم الراية وننطلق، ولكن ليس من فراغ، بل من تجارب وبناء.
 
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزُقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه
 
والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

شارك المقال