أرشيف الشعر العربي

هوامش من دفتر الحرب

هوامش من دفتر الحرب

مدة قراءة القصيدة : 7 دقائق .

1 – وردٌ على الأنقاض :

ستواصِلُ الأزهارُ مهنتها و تطلعُ في الربيعِ

أمامَ أحداقِ البنادقِ غيرَ آبِهَةٍ بأعباءِ الحِصارِ

فربَّما صارت هديَّةَ طِفلةٍ لأبٍ يعودُ ،

و ربَّما وخزتْ بجنديٍّ من الغرباءِ ذاكرةَ الطفولةِ فانحنى يبكي ...

ستَكسِرُ قِطَّةٌ ( حظرَ التجُّولِ ) ،

و الطيورُ تمُرُّ - هازئةً - على الأنقاضِ / تنقرُ حِنطةً و تطيرُ من عَلمٍ إلى علمٍ على مرأىً من ( الجنرالِ ) ،

... مازالَ النعاسُ يشدُّنا ليلاً إلى الأحلامِ /

يأتي مثلَ عادَتِهِ ،

و يأتي مثلَ عادَتِهِ الصباحُ مُضَرَّجاً بالبُنِّ ،

لا مطرٌ سيُخلِفُ وعدهُ /

يأتي كعادتهِ ،

و ينضجُ مثلَ عادتِهِ الشعيرُ ،

على انتظارِ مناجِلٍ صَدِئتْ كأبوابِ المدارِسِ ،

سوفَ يعتادُ الصِغارُ - كغيرهم - في الليلِ أصواتَ المدافِعِ ، يلعبُونَ

و يشكرونَ الحربَ إذْ أكلتْ دفاترهم

وأجَّلَتِ العقوبةَ و امتحانَ الشعر ...

* * * *

2 – البيادق :

لا بُدَّ من حربٍ لتكتَمِلَ الحياةُ بموتِهم

هُمْ

نُخبةُ القتلى و أرخصهم دماءً في الحروبِ /

بريدنا للأرضِ إنْ تاقت إلى مطرٍ /

قرابينُ العروشِ /

سلالِمٌ كي يَصعَدَ الأمراءُ

- من عتمِ الهوامِشِ - سِدرةَ التاريخِ /

هُمْ

للقائِدِ المهزومِ أسوارٌ سيُشرِعُها على مرمى الرصاصِ

و يمتطي دربَ الخلاصْ ،....

لَهُمُ التسوُّلُ حينَ نُنْكِرُهُمْ

و نَنْسى أنَّهُمْ فقدوا السواعِدَ في الصراعِ نيابةً عنا

لهمْ أن يفرحوا بفتاتنا مثلَ الكلابِ

و حسبُهُمْ دمعٌ خفيٌّ حينَ ننهرهم غدا

لَهُمُ ( النياشينُ ) الرخيصةُ في احتفالاتِ الملوكِ العاطلينَ عنِ القتالِ /

مدائِحُ الشعراءِ /

زغردةُ النساءِ /

هُتافنا ... لَهُمُ الردى

و لنا الحياةُ نيابةً عنهم ،

لنا النسيانُ في عيدِ السلامِ كأنهم ماتوا سدى

* * * *

3 – الوزير :

ظِلُّ الأميرِ ،

رسولهُ

و لعلَّهُ الذِئبُ المرابطُ في الصديقِ

يُحَفِّزُ الأبطالَ ،

يشحذهم ، و يمضي آمِناً

خلفَ المتاريسِ المنيعةِ ،

كلَّما اشتدَّ الحِصار يُخاطِبُ الفقراءَ :

أنْ جوعوا ليصمدَ جيشُنا

لكنَّهُ يوماً سيرشِدُهم إلينا حينَ تنهزِمُ الجيوشُ ،

خرائطُ الأبوابِ يحملها إليهم /

كِلْمَةُ السرِّ /

الطريقُ إلى مكامنِ خوفنا /

الشجرُ الذي ستراهُ ( زرقاءُ اليمامةِ )

لاهثاً فوقَ الرمالِ

كأنّهُ الجهةُ التي ينهارُ فيها الحلمُ ،

يأتينا غداً ليُنَكِّسَ الأعلامَ ثمَّ يقودنا أسرى إليهم ، باسمِ قاتلنا سَيَحكُمُ دولةَ الأنقاضِ ،

يرسِلُ من يُمَثِّلهُ إذا اشتدَّ الحِصارُ ؛

يُحَفِّزُ الأبطالَ ،

يشحذهم ، و يمضي ...

* * * *

4 – الحصان :

الخيلُ تمضي ...

هكذا اعتادَ الصغارُ ظهورَ أجدادٍ

فشبّوا يعشقونَ الخيلَ ،

لا خيلٌ و لا ليلٌ يُزنِّرهُ الصهيلُ

الخيلُ تمضي ...

و الذينَ يغادِرونَ

يغادِرونَ لأنَّهم ملّوا الإقامةَ في حِصارِ الأمَّهاتِ

و شَفَّهُمْ حُمْقُ الرجولةِ حينَ زَغرَدَتِ النساءُ فأسرجوا أعمارهم للثأرِ ،

ساروا ...

لا صدى لنتابِعَ الإيقاعَ ،

تخذِلنا الجهاتُ بلا غبارٍ يستثيرُ الصمتَ فينا

كي نُتَمتِمَ : علَّهُ عادَ الرسولُ

بقميصِ أجملهم ، تُرى

نَفِدتْ هناكَ شهورهم ؟

فاستسلموا للطينِ و ارتدّوا إلى رملٍ على أكتافهِ صَعَدَ النخيلُ !

الخيلُ تمضي ...

و المكانُ يشُدَّنا

لو كانَ يمكِنُهُ الرحيلُ !

الخيلُ تمضي ...

* * * *

5 – القلعة :

كانوا صِغاراً

كلَّما اجتمعوا على شطٍّ أشادوا قلعةً في الرملِ

و ابتدؤوا الحِصارْ

الحربُ لعبتهم ،

بنادِقهمْ عصيُّ التوتِ

أو أغصانُ ليمونٍ طريٍّ مثلهم ...

كانوا صِغاراً يتقِنونَ الحبَّ و الأحلامَ ،

ينتشرونَ كالأزهارِ في ملحِ الشواطئِ

يَنْهَرونَ الموجَ إذْ يعلو

وينسحبونَ كالجيشِ الكسيرِ ، يوَدِّعونَ قِلاعهم قبلَ اجتياحِ المدِّ ،

كم كانوا صغاراً طيبينْ ...

كبروا قليلاً أو كثيراً مثلما

كبرتْ غِوايتهم فلوَّثهم رَغيفُ الخبزِ إذْ جاعوا

و لوَّثهُم دَمُ الأطفالِ في ذَهبِ الملوكِ ،

قِلاعُهم شَهَقَتْ

و صارَ التوتُ في الأيديْ بنادِقَ

هكذا كبروا

و صاروا يتقنونَ الحربَ من أجلِ الغنائِمِ أو لمتعَتِهمْ

و يَخشونَ الإقامةَ خارِجَ الأسوارِ

إذْ أنَّ الطبيعةَ كُلَّها كَمَنَتْ لَهُمْ إلا القلاعَ لأنَّها

أبداً تظلُّ على حيادِ الطينِ كالمرآةِ لا تبكي على مَلِكٍ يُغادِرُها إذا اشتدَّ الحِصارُ

و لا ترُدُّ خيولَ فاتِحها الجديدْ ......

* * * *

6 – هدنة :

وقتٌ

لنمتَدِحَ الحياةَ ،

نعيشها ، و نُقِرّ إنسانيةَ الأعداءِ ،

فالأعداءُ طينٌ مثلنا ؛ جيشٌ تُسيِّرهُ العروشُ

لنزوةِ التاريخِ ، لا أحقادَ تدفعهم ، ولا أمجادَ ، هاجسهم سريرٌ دافئٌ يُفضي إلى الأحلامِ و امرأةٌ ببابِ البيتِ تنتظرُ السُعَاةَ

لعلهم زفَّوا البشائرَ بانتهاءِ الحربِ ،

أو عادوا بقمصانِ الحبيبْ ، ... /

وقتٌ لتزييتِ البنادِقِ ،

و اقتناصِ فُكاهةٍ للحَدِّ من بؤسِ الخنادقِ /

هامِشٌ

كالنهرِ يرسمُ هدنةً بينَ الجنودِ ليكتبوا لنسائِهم أو يستريحوا في هواجسهم قليلاً /

برهةٌ

ليُودِّعَ الأحياءُ قتلاهم على مهلٍ ،

لينتَشِلَ الصديقُ صَديقَهُ ،

يسقيهِ ماءً ريثما يُملي وصيَّتهُ الأخيرةَ :

( أوقِفوا الجُنَّازَ في بابِ الحبيبةِ ،

و افرشوا التابوتَ زيتوناً و آسْ ... )

وقتٌ لتكتَشِفَ الحواسْ

عندَ المحارِبِ ما تُخَبِّئهُ الطبيعةُ من مفاتِنِها

و ما للخصمِ من عَتَبٍ علينا :

( كيفَ تنسى أنَّنا أبناءُ هذا الطينِ ، دعْ عَنكَ السلاحَ و هاجِسَ الأمراءِ / من زجّوا بنا في هذهِ الحربِ الحقيرةِ ...

دونَ قصدٍ سوفَ تقتلني لتحملَ صورتي شبحاً

و تورِث - بعدنا - الأبناءَ ثأراً ، بينما يتبادلُ الأمراءُ أنخابَ السلامِ ، يقهقِهونَ ...

كأنَّنا حجرٌ على ( الشطرنجِ ) يجمعنا القتالُ

على مسارحهم - سدىً - من أجلِ متعتهم،

ستقتلني لتحيا ،

ثمَّ تلقاني أمامكَ كلَّما أسلمتَ روحكَ للنعاسْ .... )

* * * *

7 – بيدقان ( أبيض ، و أبيض يرتدي الأسود ) :

يا صاحِبي

نصفينِ كنَّا ،

كيفَ مَسَّتنا الرجولةُ فافترقنا ،

و اجتمعنا ضِفَّتي حربٍ

لتمتَدِحَ الطوائِفُ حربَها فينا ،

سنذكُرُ أنَّنا حينَ التقينا تحتَ أضلعنا ارتجفنا :

هل نؤجلُ حربنا بعدَ العناقِ ؟

أمِ الرصاصُ سيسبِقُ القُبُلاتِ ، حاصرنا التَشَتُّتُ

لم نشأْ أن نُحسنَ التصويبَ لكنَّ الطريدةَ

أيقظتْ فينا الذئابَ و مسَّنا ذُعرُ الطريدةِ

فانتبهنا فجأةً :

الكفُ أقربُ للزنادِ و بيننا الخطواتُ تختصِرُ القيامةَ ...

لمْ نُفكِّرْ عندما سَرَتِ الحماسةُ في الأصابعِ

و استَفَزَّتنا النساءُ وراءنا ،

كنَّا ارتجفنا

لم نشأْ أنْ نُحسِنَ التصويبَ

لكنَّ الطريدةَ أيقظتْ فينا الذئاب .......

* * * *

8 – هامش أخير لحسم الصراع :

كِشْ مَلِكْ

.......................

.......................،

....................... !

* * * *

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (حسن إبراهيم الحسن) .

اعتراف ساذج

( قمرٌ ) على وجعِ المدينةِ

المبَشَّرون بالحزن

العجاف

على وشكِ الرخام


فهرس موضوعات القرآن